ثم وهو يبتسم: تلقينا خطابا من عايدة في الأسبوع الماضي، يبدو أنها تعاني متاعب الوحم.
هكذا الألم والحياة توءمان، لست الآن إلا ألما خالصا في ثياب رجل، عايدة منداحة البطن سائلة الإفرازات؟ مأساة أم مهزلة الحياة؟ نعمة الحياة الفناء، ليتني أستطيع أن أعرف كنه هذا الألم. قال إسماعيل لطيف: سيكون أبناؤها أجانب! - من المتفق عليه أن يرسلوا إلى مصر إذا جاوزوا طور الطفولة.
هل تراهم يوما بين تلاميذك؟ تسائل نفسك أين رأيت هذه الأعين، فيجيب القلب الخافق أنها مقيمة هنا منذ قديم، وإذا سخر الصغير من رأسك وأنفك فبأي قلب تعاقبه! أيها النسيان ... هل أنت خرافة أيضا؟ عاد حسين يقول: شد ما أسهبت في الحديث عن حياتها الجديدة، لم تخف سرورها بها حتى بدا حنينها إلى الأهل مجرد مجاملة.
لمثل هذه الحياة في الأوطان المثالية خلقت، أما مشاركتها في الطبائع الآدمية فعبث من الأقدار التي عبثت بشتى مقدساتك، ترى ألم يخطر ببالها أن تشير في خطابها المسهب بكلمة إلى الأصدقاء القدامى؟ ولكن من أدراك بأنها لا زالت تذكرهم؟ وعاودهم الصمت مرة أخرى. بدا المغيب يقطر سمرة هادئة، ولاحت في الأفق حدأة مولية، وترامى إليهم نباح كلب، وأقبل إسماعيل على الدورق يشرب، وراح حسين يصفر بفيه، أما كمال فكان يسترق إليه النظر بوجه هادئ وقلب يتحسر. - الحر هذه السنة ملعون.
قال إسماعيل ذلك، ثم جفف شفتيه بمنديله الحريري المزركش ثم تجشأ، وأعاد المنديل إلى جيب بنطلونه.
فراق الأحباب ألعن. - متى تسافر إلى المصيف؟ - في آخر يونيو.
أجاب إسماعيل بارتياح، فعاد حسين يقول: سنسافر غدا إلى رأس البر حيث أمكث أسبوعا معهم، ثم أسافر بصحبة أبي إلى الإسكندرية فأستقل الباخرة في 30 يونيو.
وينتهي تاريخ فترة من الزمن، وربما انتهى قلب، حدق حسين إلى كمال مليا، ثم ضحك قائلا: نترككم وأنتم على خير حال من الوحدة والائتلاف، فعسى أن تسبقنا أنباء الاستقلال إلى باريس.
فهتف إسماعيل مخاطبا حسين وهو يشير إلى كمال: صاحبك غير راض عن الائتلاف. عز عليه أن يضع سعد يده في يد الخونة، وعز عليه أكثر أن يتحاشى الاصطدام بالإنجليز فينزل عن الوزارة إلى خصمه القديم عدلي، هكذا تجده أشد تطرفا من زعيمه المقدس نفسه!
مهادنة الأعداء والخونة خيبة أخرى تتجرعها، أي شيء في هذه الدنيا لم يخب فيه أملك؟ غير أنه ضحك عاليا، ثم قال: بل يشاء هذا الائتلاف أن يفرض على دائرتنا نائبا من الأحرار!
ناپیژندل شوی مخ