إنه لموقف عظيم «للاستغلال»، فإن أربعة أو خمسة آلاف دعوى تقام على كاتب في دولة صغيرة كالعراق؛ ليملأ خبرها الأرض، فتخدم مصلحة الأحزاب المعارضة للحكومة. فهل يفادي الصابئة بوقتهم وبمالهم وبسعادتهم؟ كلا. إذن ليست العدلية مرجعهم. إذن لتنقل القضية إلى الوزارة الداخلية.
أقف بك هنا لأطلعك على كتاب متصرف بغداد إلى وزير الداخلية. وقد كتب في أعلى الكتاب: سري مستعجل. إنك لتدرك بعد اطلاعك عليه أن المتصرف كان يوما من حزب المعارضة، وأنه درس علم اللولبيات القانونية والإدارية على أستاذ ماهر:
إلى وزارة الداخلية
بالإشارة إلى حاشيتيكم ...
لقد أحضرنا رجال الصابئة إلى هذا المقام في يوم الأربعاء المصادف 23 / 3 / 1932 وكلمناهم في عدم وجود أي ممسك قانوني يستلزم مجازاة السيد عبد الرزاق الحسني لحسن نيته في ما كتبه عنهم واعتذاره عن ذلك في جريدة «العراق» ولصدور المجلة في القاهرة، ثم إننا أطلعناهم في يوم الخميس على الكتب التاريخية القديمة التي استند إليها الكاتب في بحثه عنهم، فأمنوا على عدم وجود سوء نية عند الكاتب، وأكدوا لنا أن ما كتبه الأقدمون عنهم لا يتفق والحقيقة.
وأخيرا، اتفقوا على أن يجلبوا كتابهم الخطي المقدس، وأن يترجمه بطارقة الملل الأخرى إلى اللغة العربية في ديوان هذه المتصرفية في يوم الاثنين 29 الجاري. فإذا ظهر أن ما ذكره الأقدمون صحيح ومطابق لما ورد في هذا الكتاب المقدس فهم يتنازلون عن شكواهم. وإذا ظهر تفاوت بين كتابة الأقدمين وكتابة الحسني، وبين ما جاء في كتابهم المقدس فإنهم يكتفون بتكذيب تصدره هذه المتصرفية وتنشره في مجلة «الهلال» المصرية التي نشر فيها مقال الكاتب. وسنخبركم بما سيتم في هذا الصدد.
هو ذا سياسي عراقي متخرج من المدرسة التركية المكيافيلية. وهل يستطيع أحد أرباب هذه المدرسة أن يخرج من هذا المأزق بأحسن من هذا الأسلوب؟ هاتوا كتابكم الخطي المقدس لتترجمه بطارقة الملل الأخرى إلى اللغة العربية! فإذا جاء رؤساء الصابئة بالكتاب فهل يجيء البطارقة؟ وإذا جاءوا فهل يترجمون؟ وإذا ترجموا فهل يحسنون؟ وإذا أحسنوا فهل يتفقون؟ وإذا اتفقوا فهل يصدق رؤساء الصابئة أنهم أحسنوا الترجمة وتحروا الأمانة فيها؟
فكر أولئك الرؤساء، ثم رضوا باعتذار الأستاذ الحسني. أما الذين كانوا يأملون أن «يستغلوا» الموقف، فيستخدمون القضية، قضية إحدى الأقليات؛ ليشوهوا سمعة العراق في جنيف، ويحولوا دون دخوله في عصبة الأمم، فقد أخفق مسعاهم.
قوة المعارضة
كانت الحكومة البريطانية تخبط خبط عشواء. في سياستها العراقية خلال السنوات العشر التي تقدمت المعاهدة الأخيرة. وكانت تزيد بموقفها غموضا وارتباكا، وهي تحاول أن تخفي حيرتها، في ما اتخذته من شتى الخطط والأساليب، حينا متعسفة وحينا متساهلة، لغرضها المنشود. فعقدت المعاهدات، الواحدة بعد الأخرى، وهي تظن أن في كل واحدة منها الحل النهائي للمشاكل البريطانية العراقية كلها.
ناپیژندل شوی مخ