فشكر له يده الرفيعة، فكان المتعهد إذا تذكر صرعته، وسعر الجوى لوعته، رفع بالعويل نداءه، وأنشد، ولم أدر من ألقى عليه رداءة، ولما كان من الغد حزراسه ورفع على سن رمح وهو يشرق كنار على علم، ويرشق نفس كل ناظر بألم، فلما رمقته الأبصار، وتحققته الحماة والأنصار، رموا أسلحتهم، وسووا للفرار أجنحتهم، فمنهم من أختار فراره وجلاه، ومنهم من اتت به إلى حينه رجلاه، وشغل المعتمد عن رثائه، بطلب ثاره، ونصب الحبائل لوقوع ابن عكاشة وعثاره، وعدل عن تابينه، إلى البحث عن مفرقه وجبينه، فلم تحفظ له فيه قافية، ولا كلمة للوعته شافية، إلا إشارته إليه، في تأبين أخويه، المأمون والراضي المقتولين في أول النائرة، والفتنة الثائرة، التي ينتهي بنا القول إلى سرد خبرها، ونص عبرها، فإنه قال: طويل
يقولون صبرا لا سبيل إلى الصبر ... سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري
نرى زهرها في مأتم كل ليلة ... يخمشن لهفا وسطه صفحة البدر
ينحن على نجمين أثكلن ذا وذا ... ويا صبر ما للقلب في الصبر من عذر
مدى الدهر فلبيك الغمام مصابه ... بصنويه يعذر في البكاء مدى الدهر
بعين سحاب وأكف قصر دمعها ... على كل قبر حل فيه أخو القطر
وبرق ذكي النار حتى كأنما ... يسعر مما في فؤادي من الجمر
هوى ااكوكبان الفتح ثم شقيقه ... يزيد فهل بعد الكواكب من صبر
افتح لقد فتحت لي باب رحمة ... كما يزيد الله قد زاد في أجري
هوى بكما المقدار عني ولم أمت ... وأدعى وفيا قد نكصت إلى الغدر
توليتما والسن بعد صغيرة ... ولم تلبث الأيام أن صغرت قدري
فلو عدتما لاخترتما العود في الثرى ... إذا أنتما أبصرتماني في الأسر
يعيد على سمعي الحديد نشيده ... ثقيلا فتبكي العين بالحس والنقر
معي الأخوات الهالكات عليكما ... وأمكما الثكلى المضرمة الصدر
فتبكي بدمع للقطر مثله، ويزجرها التقوى فتصغي إلى الزجر
أبا خالد أورثتني البث خالدا ... أبا النصر مذ ودعت ودعني نصري
وقبلكما ما أودع القلب حسرة ... تجدد طول الدهر ثكل أبي عمرو
وكان المعتصم بن صمادح قد اختص بأمير المسلمين رحمه الله أيام جوازه البحر إلى
مخ ۱۲