القسم الأول في محاسن الرؤساء وأبناءهم ودرج أنموذجات من مستعذب أنبائهم
المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن عباد
ملك قمع العدا وجمع الناس والندا وطلع على الدنيا بدر هدى لم يتعطل يوما كفه ولا بنانه اونة يراعه واونة سنانه وكانت أيامه مواسم وثغور برة بواسم ولياليه كلها دررا وللزمان أحجالا وغررا لم يغفلها من سمات عوارف ولم يضحها من ظل إيناس وارف ولا عطلها من ماثرة بقي أثرها باديا ولقي معتفيه منها إلى الفضل هاديا وكانت حضرته مطمحا للهمم ومسرحا لآمال الأمم وموقفا لكل كمي ومقذفا لذي انف حمي لم تخل من وفد ولم يصح جوها من انسجام رفد فاجتمع تحت لوآيه من جماهير الكماة ومشاهير الحماة أعداد يغص بهم الفضا وأنجاد يزهى بهم النفوذ والمضا وطلع في سمائه كل نجم متقد وكل ذي فهم منتقد فأصبحت حضرته ميدانا لرهان الأذهان وغاية لرمي هدف البيان ومضمارا لإحراز خصل في كل معنى وفصل فلم يرتسم في زمامه إلا بطل نجد ولم يتسق في نظامه إلا ذكاء ومجد فأصبح عصره أجمل عصر وغدا مصره أكل مصر تسفح فيه ديم الكريم ويفصح فيه لسانا سيف وقلم ويفضح
مخ ۴
الرضى في وصفه ايام ذي سلم وكان قومه وبنوه لتلك الحلبة زينا ولتلك الجملة عينا عن ركبوا خلت الأرض فلكا بجمل نجوما وإن وهبوا رأيت الغمام سجوما وإن أقدموا أحجم عنترة العبسي وإن فخروا أقصر عرابة الأوسي ثم انحرفت الأيام فالوت بإشراقه وأذوت يانع ايراقه فلم يدفع الرمح ولا الحسام ولم تنفع تلك المنن الجسام فتملك بعد الملك وحط من فلكه إلى الفلك فأصبح خايضا تحدوه الرياح وناهضا يزجيه البكا والنياح، وقد ضجت عليه أياديه، وارتجت لاجوانب ناديه، وأضحت منازله قد بان عنها الأنس والحبور، وألوت بهجتها الصبا والدبور، فبكت العيون عليه دما، وعاد موجود الحيوة عدما، وصار أحرار الدهر فيه خدما، فسحقا لدنيا ما رعت حقوقه، ولا أبقت شروقه، فكم أحياها لبنيها، وأبداها رائقة لمجتليها، وهي الأيام لا تقي من تجنيها، ولا تبقي على مواليها، أدثرت آثار جلق، وأخمدت نار المحلق، وذللت عزة عاد بن شداد، وهدت القصر ذا الشرفات من سنداد، ونعت ببوس النعمان، وأكمنت غدرها له في طلب الأمان، وقد أثبت من نظمه العذب الجنى، الرائق السنا، الفائق اللفظ والمعنى، ما يمتزج بالنفوس والقلوب، ويتارج به مسرى الصبا والجنوب، وذكرت أثناءه من مآثره المخترعة ومفاخره، ومشاهده المستبدعة ومحاضره، ما يهون الدنيا وزخرفها، ويلين تقلبها وتصرفها، أخبرني ذو الوزارتين أبو بكر بن القصيرة أنه كان بغرفة القصر المكرم مقيما لرسوم المعتمد وحدوده، منشأ لمخاطباته وعهوده، في اليوم الذي خرج فيه ابن عمار إلى شلب معه مفتقدا لأعمالها، مسددا أغراض عمالها، إذ طلع إليه الوزير الأجل أبو بكر بن زيدون منشرح المحيا، متضح العليا، يتهلل بشرا، ويتخيل أنه المسك نشرا، وقال لما خرج ابن عمار إلى شلب ثار للمتعمد هيامه القديم وكلفه، وتجدد له معلقه بها ومالفه، فإنه عمرها في ظل صباه، وفرع بها هضاب السرور ورباه، وبرد عمر قشيب، وشبابه غض لم يرعه مشيب، ايام ولاه المعتضد بالله أمرها، وأدارت عليه الغرارة خمرها، فقال مرتجلا، وابن عمار بالانحفاز له: "طويل"
ألا حي أوطاني بشلب أبا بكر ... وسلهن هل عهد الوصال كما أدري
وسلم على قصر الشراجيب عن فتى ... له أبدا شوق إلى ذلك القصر
مخ ۵
منازل آساد وبيض نواعم ... فناهيك عن غيل وناهيك من حذر
وكم ليلة قد بت أنعم جنحها ... بمخصبة الأرداف مجذبة الخصر
وبيض وسمر فاعلات بمهجتي ... فعال الصفاح البيض والاسل المسر
وليل بسد النهر لهوا قطعته ... بذات سوار مثل منعطف البدر
نصت بردها عن غصن بان منعم ... نصيركما انشق الكمام عن الزهر
وأخبرني ذخر الدولة ابن المعتضد أنه دخل عليه في ليلة قد ثنى السرور منامها، وامتطى الحبور غاربها وسنامها، وراع الأنس فوادها، وستر بياض الأماني سوادها، وغازل نسيم الروض زوارها وعوادها، ونور السرج قد قلص أذيالها، ومحا من لجين الأرض نبالها، والمجلس مكتس بالمعالي، وصوت المثاني والمثالث عال، والبدر قد كمل، والتحف بضوءه القصر واشتمل، وتزين بسناه وتجمل، فقال: "كامل "
ولقد شربت الراح يسطع نورها ... والليل قد مد الظلام رداء
حتى تبدى البدر في جوزائه ... ملكا تناهى بهجة وبهاء
لما أراد تنزها في غربه ... جعل المظلة فوقه الجوزاء
وتناهضت زهر النجوم يحفه ... لألآؤها فاستكمل الآلآء
وترى الكواكب كالمواكب حوله ... رفعت ثرياها عليه لواء
وحكيته في الأرض بين مواكب ... وكواعب جمعت سنا وسناء
إن نشرت تلك الدروع حنادسا ... ملأت لنا هذي الكؤس ضياء
وإذا تغنت هذه في مزهر ... لم تال تلك على التريك غناء
وأخبرني أبو بكر بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة أنه استدعاه ليلة إلى مجلس قد كساه الروض وشيه، وامتثل الدهر أمره فيه ونهيه، فسقاه الساقي وحياه، وسفر له الأنس عن مؤنق محياه، فقام للمعتمد مادحا، وعلى دوحة تلك النعماء صادحا، فاستجاد قوله، وأفاض عليه طوله، فصدر وقد امتلأت يداه، وغمره جوده ونداه، فلما حل بمنزلة وافاه رسوله بقطيع وكاس من بلار، وقد اترع بصرف العقار، ومعهما: "كامل"
جاءتك ليلا في ثياب نهار ... من نورها وغلالة البلار
كالمشتري قد لق من مريخه ... غذ لفه في الماء جذوة نار
لطف الجمود لذا وذا فتألفا ... لم يلق ضد ضده بنفار
يتحير الراءون في نعتيهما ... أصفاء ماء أم صفاء دراري
وأخبرني ابن إقبال الدولة ابن مجاهد أنه كان عنده في يوم قد نشر من غيمه رداء ند، واسكب من قطرة ماء ورد، وأبدى من برقة لسان نار، وأظهر من قوس قزحه حنايا آس حفت بنرجس وجلنار، والروض قد نفث رياه، وبث الشكر لسقياه، فكتب إلى الطبيب أبي محمد المصري: "خفيف"
أيها الصاحب الذي فارقت عي ... ني ونفسي منه السنا والسناء
نحن في المجلس الذي يهب الرا ... حة والسمع والغنا والغناء
نتعاطى التي تسمى من الل? ... ?ذة والرقة الهوى والهواء
فأته تلف راحة ومحيا ... قد أعدا لك الحيا والحياء
فوافاه والفى مجلسه قد اتعلت أباريقه أجيادها، وأقامت به خيل السرور طرادها، وأعطته الأماني انطباعها وانقيادها، وأهدت الدنيا ليومه مواسمها وأعيادها، وخلعت عليه الشمس شعاعها، ونشرت فيه الحدائق إيناعها، فأديرت الراح، وتعوطيت الأقداح ، وخامر النفوس الابتهاج والارتياح، وأظهر المتعهد في إيناسه، ما استرق به نفوس جلاسه، ثم دعا بكبير، فشربه كالشمس غربت في ثبير، وعندما تناولها قام المصري ينشد أبياتا تمثلها: "بسيط"
أشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا ... بشاذ مهر ودع غمدان لليمن
فأنت اولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن علي وابن ذي يزن
فطرب حتى زحف من مجلسه، وأسرف في تأنسه، وأمر فخلعت عليه ثياب لا تصلح إلا للخلفاء، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء، وأمر له بدنانير عددا، وملأ بالمواهب منه يدا، وكان مجلس ذي الوزارتين أبي الوليد بن زيدون منحطا عنة مجلسه في القعود لإنفاذ أوامر أبيه المعتضد فكتب إلا للخلفاء، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء، وأمر له بدنانير عددا، وملأ بالمواهب منه يدا، وكان مجلس ذي الوزارتين أبي الوليد بن زيدون منحطا عنة مجلسه في القعود لإنفاذ أوامر أبيه المعتضد فكتب إليه: "رمل"
أيها المنحط عني مجلسا ... وله في النفس أعلا مجلس
بفؤادي لك حب يقتضي ... أن ترى تحمل فوق الأرؤس
فكتب إليه ابن زيدون مراجعا: "رمل"
أسقيط الطل فوق النرجس ... ام نسيم الروض تحت الحندس
أم قريض جاءني من ملك ... مالك بالبررق الأنفس
مخ ۶
يا جمال الموكب الغادي إذا ... سار فيه يا بهاء المجلس
شرفت بكر المعالي خطبه ... بك فأنعم بسرور المعرس
وارتشف معسول ثغر أشنب ... تجتنيه من مجاج العس
واغتبق بالسعد في دست المنى ... يصبح الصنع دهاق الأكوس
فاعتراض الدهر في ماشيته ... مرتقى في صدره لم يهجس
وله في ظلام رأه يوم العروبة من ثنيات الوغا طالعا، ولطلا الأبطال قارعا، وفي الدماء والغا، ولمستشبع كؤس المنايا سائغا، وهو ظبي قد فارق كناسه، وعاد أسدا صارت الفتى أخياسه، ومتكاثف قد مزقه إشراقه، وقلوب الدارعين قد شكتها أحداقه، فقال:
أبصرت طرفك بين مشتجر القنى ... فبدا لطرفي انه فلك
أو ليس وجهك فوقه قمرا ... يجلى بنير نوره الحلك
وله فيه: "متقارب"
ولما اقتحمت الوغا دارعا ... وقنعت وجهك بالمغفر
حسبنا محياك شمس الضحى ... عليها سحاب من العنبر
وتوجه اليد الوزير أبو الإصبع بن أرقم رسولا عن المعتصم ومعه الوزير أبو عبيد البكري والقاضي أبو بكر بن صاحب الأحباس فلما دنا من حضرته واقترب، وبات منها على قرب، معتقدا حلولها فجر أو ضحاه، معتمدا مشاهدة فطر ذلك اليوم أو اضحاه، بادر بالإعلام، وكتب إليه على عادة الإعلام، شعرا منه: "بسيط"
يا ملكا عظمته العرب والعجم ... وواحدا وهو في أثوابه أمم
إنا وردناك والأقطار مظلمة ... والبدر يرجى إذا ما التخت الظلم
فكتب إليه رحمه الله: بسيط
أهلا بكم صحبتكم نحوي الديم ... إن كان لم يتبجح لي بكم حلم
حثوا المطي ولو ليلا بمجهلة ... فلن تصلوا ومن بشري لكم علم
لأنتم القوم إن خطوا يجد قلم ... وإن يقولوا يصيب فصل الخطاب فم
لاعي إن رقموا كتبا ولا حصر ... إذ ينتدون ولا جور إذا حكموا
أقدم أبا الإصبع المودود تلق فتى ... هش المودة لا يزري به سأم
هذا فؤادي قد طار السرور به ... إن كنت تنقلك الوخادة الرسم
سأكتم الليل ما ألقاه من بعد ... وأسئل الصبح عنكم حين يبتسم
مخ ۸
وأخبرني ذخر الدولة أنه استدعاه في ليلة قد ألبسها البدر رداءة، وأوقد فيها أضواءه، وهو على البحيرة الكبرى، والنجوم قد انعكست فيها تخالها زهرا، وقابلتها المجرة فسالت فيها نهرا، وقد ارجت نوافح الند، وماست معاطف الرند، وحسد النسيم الروض فوشى باسراره، وأفشى أحاديث آسه وعراره، ومشى مختالا بين لبات النور وأزراره، وهو وجم، ودمعه منسجم، وزفراته تترجم عن غرام، وتجمجم عن تعذر مرام، فلما نظر إليه استدناه وقربه، وشكا إليه من الهجران ما استغربه، وأنشد: متقارب
أيا نفس لا تجزعي واصبري ... وإلا فإن الهوى متلف
حبيب جفاك وقلب عصاك ... ولاح لحاك ولا ينصف
شجون منعن الجفون الكرى ... وعوضها أدمعا تنزف
فانصرف ولم يعلمه بقصته، ولا كشف له عن غصته، وأخبرني أنه دخل عليه في دار المزينة والزهر يحسد أشراق مجلسه، والدر يحكى اتساق تأنسه، وقد رددت الطير شدوها، وجددت طربها وشجوها، والغصون قد التحفت بسندسها، والأزهار تحيي بطيب تنفسها، والنسيم يلم بها فتضعه بين أجفانها، وتودعه أحاديث أذارها ونيسانها، وبين يديه فتى من فتيانه يتثنى تثني القضيب، ويحمل الكاس في راحة أبهى من الكف الخضيب، وقد توشح وكان الثريا وشاحه، وأنار فكان الصبح من محياه كان اتضاحه، فكلما ناوله الكاس خامره سورة، وتخيل أن الشمس تهديه نوره، فقال المعتمد: منسرح
لله ساق مهفهف غنج ... قام ليسقي فجاء بالعجب
أهدى لنا من لطيف حكمته ... في جامد الماء ذائب الذهب
ولما وصل لورقة استدعى ذا الوزارتين القائد ابا الحسن بن اليسع ليلته تلك في وقت لم يخف فيه زائر من مراقب، ولم يبد فيع غير نجم كثاقب، فوصل وما للأمن إلى فؤاده من وصول، وهو يتخيل أن الجو صوارم ونصول، بعد أن وصى بما خلف، وودع من تخلف، فلما مثل بين يديه أنسه، وأزال توجسه، وقال خرجت من اشبيلية وفي النفس غرام طويته بين ضلوعي، وكفكفت فيه غرب دموعي، بفتاة هي الشمس أو كالشمس أخالها، لا يحول قلبها ولا خلخالها، وقد قلت في يوم وداعها، عند تفطر كبدي وانصداعها: طويل
ولما التقينا للوداع غدية ... وقد خفقت في ساحة القصر رايات
مخ ۹
بكينا دما حتى كان عيوننا ... بجري الدموع الحمر منها جراحات
وقد زارتني هذه الليلة في مضجعي، وأبرأتني من توجعي، ومكنتني من رضابها، وفتنتني بدلالها وخضابها، فقلت: طويل
أباح لطيفي طيفها الخد والنهدا ... فعض به تفاحة واجتنى وردا
ولو قدرت زارت على حال يقظة ... ولكن حجاب البين ما بيننا مدا
أما وجدت عنا الشجون معرجا ... ولا وجدت منا خطوب النوى بدا
سقى الله صوب القطر أم عبيدة ... كما قد سقت قلبي على حرة بردا
هي الظبي جيدا والغزالة مقلة ... وروض الربا عرفا وغصن النقا قدا
فكرر استجادته، وأكثر استعادته، فأسر له بخمسماية دينار لورقة من حينه، وأخبرني الوزير الفقيه أبو الحسن ابن سراج أنه حضر مع الوزراء، والكتاب بالزهراء، في يوم غفل عنه الدهر فلم يرمقه بطرف، ولم يطرقه بصرف، ارخت به المسرات عهدها، وأبرزت له الأماني خدها، وأرشفت فيه لماها، وأباحت للزائرين حماها، ومازالوا ينتقلون من قصر إلى قصر، ويبتذلون الغصون بجني وهصر، ويتوقلون في تلك الغرفات، ويتعاطون الكؤس بين تلك الشرفات، حتى استقروا بالروض من بعد ما قضوا من تلك الآثار اوطارا، وأوقروا بالاعتبار قطارا، فحلوا منه في درانيك ربيع مفوقة بالأزهار، مطرزة بالجداول والأنهار، والغصون تختال في أدواحها، وتنثني في أكف أرواحها، وآثار الديار قد أشرفت عليهم كثكالى ينحن على خرابها، وانقراض أطرابها، والوهي بمشيدها لاعب، وعلى كل جدار غراب ناعب، وقد محت الحوادث ضياءها، وقلصت ظلالها وأفياءها، وطالما أشرقت بالخلائق وابتهجت، وفاحت من شذاهم وارجت، أيام نزلوا خلالها، وتفيئوا ظلالها، وعمروا حدائقها وجناتها، ونبهوا الآمال من سناتها، وراعوا الليوث في آجامها، وأخجلوا الغيوث عند انسجامها، فأضحت ولها بالتداعي تلفع واعتجار، ولم يبق من آثارها إلا نوي وأحجار، وقد هوت قبابها، وهرم شبابها، وقد يلين الحديد، ويبلى على طيه الجديد، فبينما هم يتعاطونها صغارا وكبارا، ويديرونها أنا واعتبارا، إذ برسول المعتمد قد وافاهم برقعة فيها: خفيف
حسد القصر فيكم الزهراء ... ولعمري وعمركم ما أساء
قد طلعتم بها شموسا صباحا ... فاطلعوا عندنا بدورا مساء
مخ ۱۰
فصاروا إلى قصر البستان بباب العطارين فالفوا مجلسا قد حار فيه الوصف، واحتشد به اللهو والقصف، وتوقدت نجوم مدامه، وتاودت قدود خدامه، وأربى على الخورنق والسدير، وأبدى صفحة البدر من أزرار المدير، فأقاموا ليلتهم ما طرقهم نوم، ولا عراهم عن طيب اللذات سوم، وكانت قرطبة منتهى أمله، وكان روم أمرها أشهى عمله، ومازال يخطبها بمداخله أهليها، ومواصلة واليها، غذ لم يكن في منازلتها قائد، ولم يكن لها إلا حيل ومكائد، لاستمساكهم بدعوة خلفائها، وأنفتهم من طموس رسم الخلافة وعفائها، وحين اتفق له تملكها، وأطلعه فلكها، وحصل في قطب دارتها، ووصل إلى تدبير رياستها وإدارتها، قال: بسيط
من للملوك بشأو الأصيد البطل ... هيهات جاءتكم مهدية الدول
خطبت قرطبة الحسناء إذ منعت ... من جاء بخطبها بالبيض والأسل
وكم غدت عاطلا حتى عرضت لها ... فأصبحت في سرى الحلي والحلل
عرس الملوك لما في قصرها عرس ... كل الملوك به في مأتم الوجل
فراقبوا عن قريب لا أبا لكم ... هجوم ليث بدرع الباس مشتمل
ولما نظمت في سلكه، واتسمت بملكه، أعطى ابنه الظافر زمامها، وولاة نقضها وإبرامها، فأفاض فيها نداه، وزاد على أمك ومداه، وجملاها بكثرة حبائه، واشتغل بأعبائها عن فتائه، ولم يزل فيها أمرا وناهيا، غافلا عن المكر ساهيا، حسن ظن بأهلها اعتقد، واغترار بهم ما رواه ولا انتقد، وهيهات كم من ملك كفنوه في دمائه، ودفنوه بذمائه، وكم من عرش ثلوه، وعزيز أذلوه، إلى أن ثار فيها ابن عكاشة ليلا، وجر إليها حربا وويلا، فبرز الظافر منفردا من كماته، عاريا عن حماته، وسيفه في يمينه، وهاديه في الظلماء نور جبينه، فإنه كان غلاما كما بلله الشباب بإندائه، والحفه الحسن بردائه، فدافعهم أكثر ليله، وقد منع منه تلاحق رجله وخيله، حتى أمكنتهم منه عثرة لم يقل لها لعا، ولا استقل منها ولا سعى، فترك ملتحفا بالظلماء، معفرا في وسط الحماء، تحرسه الكواكب، بعد الكواكب، وبسترة الحندس، بعد السندس، فمر بمصرعه سحرا أحد أيمة الجامع المغلسين وقد ذهب ما كان عليه ومضى، وهو أعرى من الحسام المنتضى، فخلع رداءه عن منكبيه ونضاه، وستره به سترا أقنع المجد وأرضاه، وأصبح لا يعلم رب تلك الصنيعة، ولا يعرف
مخ ۱۱
فشكر له يده الرفيعة، فكان المتعهد إذا تذكر صرعته، وسعر الجوى لوعته، رفع بالعويل نداءه، وأنشد، ولم أدر من ألقى عليه رداءة، ولما كان من الغد حزراسه ورفع على سن رمح وهو يشرق كنار على علم، ويرشق نفس كل ناظر بألم، فلما رمقته الأبصار، وتحققته الحماة والأنصار، رموا أسلحتهم، وسووا للفرار أجنحتهم، فمنهم من أختار فراره وجلاه، ومنهم من اتت به إلى حينه رجلاه، وشغل المعتمد عن رثائه، بطلب ثاره، ونصب الحبائل لوقوع ابن عكاشة وعثاره، وعدل عن تابينه، إلى البحث عن مفرقه وجبينه، فلم تحفظ له فيه قافية، ولا كلمة للوعته شافية، إلا إشارته إليه، في تأبين أخويه، المأمون والراضي المقتولين في أول النائرة، والفتنة الثائرة، التي ينتهي بنا القول إلى سرد خبرها، ونص عبرها، فإنه قال: طويل
يقولون صبرا لا سبيل إلى الصبر ... سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري
نرى زهرها في مأتم كل ليلة ... يخمشن لهفا وسطه صفحة البدر
ينحن على نجمين أثكلن ذا وذا ... ويا صبر ما للقلب في الصبر من عذر
مدى الدهر فلبيك الغمام مصابه ... بصنويه يعذر في البكاء مدى الدهر
بعين سحاب وأكف قصر دمعها ... على كل قبر حل فيه أخو القطر
وبرق ذكي النار حتى كأنما ... يسعر مما في فؤادي من الجمر
هوى ااكوكبان الفتح ثم شقيقه ... يزيد فهل بعد الكواكب من صبر
افتح لقد فتحت لي باب رحمة ... كما يزيد الله قد زاد في أجري
هوى بكما المقدار عني ولم أمت ... وأدعى وفيا قد نكصت إلى الغدر
توليتما والسن بعد صغيرة ... ولم تلبث الأيام أن صغرت قدري
فلو عدتما لاخترتما العود في الثرى ... إذا أنتما أبصرتماني في الأسر
يعيد على سمعي الحديد نشيده ... ثقيلا فتبكي العين بالحس والنقر
معي الأخوات الهالكات عليكما ... وأمكما الثكلى المضرمة الصدر
فتبكي بدمع للقطر مثله، ويزجرها التقوى فتصغي إلى الزجر
أبا خالد أورثتني البث خالدا ... أبا النصر مذ ودعت ودعني نصري
وقبلكما ما أودع القلب حسرة ... تجدد طول الدهر ثكل أبي عمرو
وكان المعتصم بن صمادح قد اختص بأمير المسلمين رحمه الله أيام جوازه البحر إلى
مخ ۱۲
حماية الأندلس حين فغر العدو عليها فما، وأسال دموع أهلها دما، وملأ نفوسهم رعبا، وأخذ كل سفينة غصبا، ففل الله به غربه، وحكم فيه طعنه وضربه، فما سعدت نجومه، ولا قعدت عن شياطينه رجومه، في يوم عروبة لم يكن فيه جمع إلا في المدى، ولم تركع فيه إلا رؤس العدا، ولم يطل فيه إلا ذابل وحسام، ولم يصل فيه إلا بطل مقدام، وهو يوم شفى الإسلام بعد ما أشفى، واقتص من أيام الروم واستوفى، وكان للمعتمد رحمه الله فيه ظهور، وغناء مشهور، جلا متكاثف عجاجه، وجلا الروم عن غيطانه وفجاجه، بعد ما لقي حرة، وسقي أمره، وكلم العدويك، وثلم عدده، وتخاذل فيه رؤساء الأندلس فلم يعمل لهم فيه سنان، ولم يكحل جفونهم من قتامة عنان، والمعتمد يلقي اسنتهم بلباته، وتنثني الذوابل ولا ينثني من عناته، وفي ذلك يقول ابن عبادة: وافر
وقالوا كفه جرحت فقلنا ... أعاديه تواقعها الجراح
وما أثر الجراحة ما رأيتم ... فتوهنها المناصل والرماح
ولكن فاض سبيل الباس منها ... ففيها في مجاريه انسياح
وقد صحت وسمحت بالأماني ... وفاض الجود منها والسماح
رأى منه أبو يعقوب فيها ... عقابا لا يهاض له جناح
فقال له لك القدح المعلى ... إذا ضربت بمشهدك القداح
وفي ذلك يقول عبد الجليل ويشير إلى أمير المسلمين وحسن بلائه، وما أظهر المعتمد من إخلاصه وولائه، وأول القصيدة: وافر
أظن خطوبها قالت سلام ... فلم يعبس لها منك ابتسام
ومنها:
فثار إلى الطعان حليف صدق ... تثور به الحفيظة والذمام
ونما في حمير ونمتك لخم ... وتلك وشائح فيها التحام
تهجن لسيله نهجا فوافى ... وفي أذيه الطامي عرام
فهيل به كثيب الكفر هيلا ... وكل رقيقة منها ركام
وأصبح فوق ظهر الأرض أرضا ... وكان وهادها منهم إكام
عديد لا يشارفه حساب ... ولا يحوي جماعته زمام
تألفت الوحوش عليه شتى ... فما نقص الشراب ولا الطعام
فإن ينجو اللعين فلا كحر ... ولكن مثل ما تنجو الليام
مخ ۱۳
ميا أدفنش يا مغرور هلا ... تجنبت المشيخة يا غلام
ستسالك النساء ولا الرجال ... فحدث ما ورائك يا عصام
راقبها بأرضك طالعات ... كما تهدي صواعقها الغمام
أقمت لذا الوغا سوقا فخذها ... مناجرة وهون ما تسام
فإن شئت اللجين فثم سام ... وإن شئت النضار فثم حام
جلالك فوق ما يعطيك وهم ... وفعلك فوق ما يسمع الكلام
وأنت النعمة البيضاء فاسلم ... لنا وليطرد فيك التمام
ومازال ابن صمادح يتصنع إليه بكل معنى يغرب، ويفسد ما بينه وبين المعتمد ويخرب، ويؤرش بينهما ويضرب، فلما أعلم بقبيح سعيه، وعلم حقيقة بغيه، كتب إليه: كامل
يا من تعرض لي يريد مساءتي ... لا تعرضن فقد نصحت لمندم
من غرة مني خلايق سهلة ... فالستم تحت لبان مس الأرقم
ومن منازعه الشريفة، ومقاطعه المنيفة، وشيمه الملكية، وهممه الفلكية، أن ابن زيدون الذي كان وزير أبيه الذي أظهر صولته، ودبر دولته ، وأدجى ضحاها، وأدار بالمكاره رحاها، وأغراه بأعدائه، وزين له الإيقاع بعماله ووزرائه، فغدا شجا في صدورهم، ونكدا في سرورهم، فلما هيل التراب على المعتضد، وأفضى أمره إلى المعتمد، ثاروا إلى طلب ابن زيدون وجاشوا، وبروا في البغي له وراشوا، وأغروه بنكبته، وأروه الرشاد في هدم رتبته، وأرادوه بالي أرادهم، وكادوه كما كادهم، فرموا إلى المعتمد برقعة فيها: كامل
يا أيها الملك العلي الأعظم ... اقطع وريدي كل باغ ينئم
واحسم بسيفك داء كل منافق ... يبدي الجميل وضد ذلك يكتم
لا تحقرن من الكلام قليله ... إن الكلام له سيوف تكلم
والملك يحمي ملكه عن لفظة ... تسري فتجلي عن دواة تعظم
فضلا عن الكلم الذي قد أصبحت ... غوغاؤنا جهرا به تتكلم
فالله يعلم أن كل مؤمل ... مثلي على حذر وخوف منهم
فالدمع من أجفاننا متهلل ... والنار في أحشائنا تتضرم
ولقد علمت ولن نبصرك الهدى ... فلأنت أهدى في الأمور واعلم
مخ ۱۴
إن الملوك تخاف من أبنائها ... فتحل من مهجاتهم ما يحرم
ولذاك قيل الملك أعقم لم يزل ... فيه الولي يثير حربا تضرم
فاحسم دواعي كل شر دونه ... فالداء يسري أن غدا لا يحسم
كم سقط زند قد نما حتى غدا ... بركان نار كل شيء يحطم
وكذلك السيل الجحاف فإنما ... أولاه طل ثم وبل يسجم
والمال يخرج أهله عن حدهم ... فأفهم فإنك بالبواطن أفهم
واذكر صنيع أبيك أول مرة ... في كل متهم فإنك تعلم
لم يبق منهم من توقع شره ... فصفت له الدنيا ولذ المطعم
فعلى م تنكل عن صنيع مثله ... ولانت أمضى في الخطوب وأشهم
وجنانك الثبت الذي لا ينثني ... وحسامك العضب الذي لا يكهم
والحال أوسع والعوالي جمة ... والمجد أشمخ والصريمة ضيغم
لا تتركن للناس موضع تهمة ... واحزم فمثلك في العظائم يحزم
قد قال شاعر كندة فيما مضى ... بيتا على مر الليالي يعلم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
فاجعله قدوتك التي تعتادها ... في كل من يبغي ورأيك أحكم
واسلم على الأيام أنك زينها ... وجمالها والدهر دونك ماتم
لازلت بالنصر العزيز مهنئا ... والدين عن محمود سعيك يبسم
وغدت على الأعداء منك رزينة ... لا تستقل بها وخطب صيلم
ووقيت مكروه الحوادث واغتدت ... طير السعود بإيككم تترنم
فلما قرأها المعتمد عف عما أرادوه، وكف ألسنة الذين كادوه، بمراجعة حلت من بغيهم ما انعقد، وزأرت عليهم زئير الليث على النقد، دلت على تحققه بالرياسة، وتسنمه لذرى النفاسة، وتقليل لأيمة العدل المعرضين عن الوشاة، الرافضين للبغاة، العارفين بمعاني السعايات وأسبابها، النابذين لأصحابها وأربابها، فأجمل حلي الملوك التصامم عن سماع القدح في ولي، والتعاظم عن الوضع لعلي، والهجر لمن بغي، والزجر لمن نعب بمكروه أورغا، والمراجعة: كامل
كذبت مناكم صرحوا أو جمجموا ... الدين أمتن والسجية أكرم
خنتم ورمتم إن أخون وربما ... حاولتم أن يستخف يلملم
مخ ۱۵
وأردتم تضييق صدر لم يضق ... والسمر في ثغر النحور تحطم
وزحفتم بمحالكم لمجرب ... ما زال يثبت للمحال فيهزم
أنى رجوتم غدر من جربتم ... منه الوفاء وظلم من لا يظلم
أناذلكم لا البغي يثمر غرسه ... عندي ولا مبنى الصنيعة يهدم
كفوا وإلا فارقبوا لي بطشة ... يلقى السفيه بمثلها فيحلم
فلما بلغ ابن زيدون ما راجعهم به، وتحقق حسن مذهبه، وعلم أن مخيلتهم قد أخفقت، وسعايتهم ما نفقت، وسهامهم تهزعت، ومكائدهم تبددت وتوزعت، قال يمدحه ويعرض بهم: كامل
الدهر أن اسأل فصيح أعجم ... يعطي اعتباري ما جهلت فاعلم
وإذا الفتى قدر الحوادث قدرها ... ساوى لديه الشهد منها العلقم
وإذا نظرت فلا اغترار يقتضي ... كنه المال ولا توق يعصم
كم قاعد يحظى تعجل حظه ... من جاهد يصل الدروب فيحرم
وأرى المساعي كالسيوف تبادرت ... شاو المضاء فمنثن ومصمم
ولكم تسامى بالرفيع نصابه ... خطرا فناصبه الوضيع الآلام
واشد فاجئه الدواهي محسن ... يسعى فيلقه الجريمة مجرم
تلقى الحسود أصم عن جرس الرقى ... ولقد يصيح إلى الرقاة الأرقم
قل للبغاة المنبضين قسيهم ... سترون من تصميه تلك الأسهم
أسررتم فرأى نجي غيوبكم ... شيحان ملموم عليها ملهم
وعبأتم للفسق ظفر سعاية ... لم يعدكم إذ رد وهو مقلم
ونبذتم التقوى وراء ظهوركم ... فغدا نقيضكم التقي المسلم
ما كان حلم محمد ليحيله ... عن عهد دغل الضمير مذمم
ملك تطلع للخواطر غرة ... زهراء زين بها الزمان الأدهم
يغشى النواظر من جهير روائه ... خلق يرى ملء الصدور مطهم
وسنا جبين يستبين شعاعه ... يغني عن القمرين من يتوسم
خلق تود الشمس لو صيغت له ... تاجا ترصع جانبيه الأنجم
فضحت محاسنه الرياض بكى الحيا ... وهمى عليها فاغتدت تبتسم
فالغدر يبعد والتواضع يدني ... والبشر يشمس والندى يتغيم
مخ ۱۶
جذلان في يوم الوغا متطلق ... وجها إليها والردى متجهم
باس كما صال الهزبر إزاءه ... جهودكما جاش الخضم الخضرم
نفسي فداؤك أيها الملك الذي ... كل الملوك له العلاء يسلم
سدت الجميع فليس منهم منكر ... إن صرت فذهم الذي لا يتأم
لا غرو إن المجد في حكم الحجنى ... من أن يضاف إليك صنو اعقم
ما أن يرى كخصالك الزهر التي ... منها على زهر الكواكب ميسم
المحتد الزاكي السرى والسوود الس? ... ?امي الذوائب والفخار الأعظم
والحلم يرسخ هضبه والعلم يز ... خر بحره ولظى الذكا يتضرم
دع ذكر صخر وابن صخر بعده ... أنت الحليم وغيرك المتحلم
لك عفو شهم لا يضيع حزامه ... ولئن بطشت فبطش من لا يظلم
إن الكمال شرحت معنى لفظه ... ولكان وهو المشكل المستبهم
الله قد أرضاه منك تخرج ... ثقف وعقد في التقى مستحكم
لما اعتمدت عليه كان بنصره ... دابا مويدك الذي لا يسلم
فمتى أودي فرض أنعمك التي ... وبلت كما يبل السحاب المسجم
أمطيتني متن السماك برتبة ... علياء منكب عزها لا يزحم
وتركت حسادي عليك وكلهم ... شاكي حشا يدوي وأنف يرغم
نصح العدا في زعمهم فوقمتهم ... والغش في بعض النصائح مدغم
وثناهم ثبت قناة أناته ... خلقاء يصلب متنها غذ يعجم
وزهاهم نظم الهراء فكفهم ... نظم عقود السحر منه تنظم
أشرعت منه إلى الغواة أسنة ... نفذت وقد ينبو الطرير اللهذم
فرق عوت فزأرت زأرة زاجر ... راع الكليب بها السبتني الضيغم
ياليت شعري هل يعود سفيههم ... أم قد حماه النبح ذاك الأكعم
لي منك فليذب الحسود تلظيا ... لطف المكانة والمحل الأكرم
وشفوف حظ ليس يفتؤ يجتلي ... غض الشباب وكل غض يهرم
لم تلف صاغيتي لديك مضاعة ... كلا ولا حق اصطناعي الأقدم
بل أوسعت حفظا وصدق رعاية ... ذمم موثقة العرى لا تفصم
فليخرقن الأرض شكر منجد ... مني تناقله المحافل متهم
مخ ۱۷
عطر هو المسك السطيع يطيب في ... شم العقول أريجه المتنسم
فإذا غصون المكرمات تهدلت ... كان الهديل ثناءها المترنم
الفخر ثغر عن حياضك باسم ... والمجد برد من وفائك معلم
فاسلم مدى الدنيا جمالها ... وتسوغ النعمى فإنك منعم
ولما ثل عرش الخلافة وخوى نجمها، ووهى ركن الإمامة وطمس رسمها، وصار الملك دعوى، وعادت العافية بلوى، استنسر البغاث، وصحت الأضغاث، واستاسد الظبي في كناسه، وثار كل أحد في ناسه، وخلت المنابر من رقاتها، وفقدت الجمع مقيمي أوقاتها، وكان باديس بن حبوس بغرناطة عاثيا في فريقه، عادلا عن سنن العدل وطريقه، يجتري على الله غير مراقب، ويجري إلى ما شاء غير ملتفت للعواقب، قد حجب سنانه لسانه، وسبقت إساءته إحسانه، ناهيك من رجل لم يبت من ذنب على ندم، ولا شرب الماء إلا من قليب دم، احزم من كاد ومكر، وأجرم من راح وابتكر، ومازال متقدا في مناحيه، مفتقدا لنواحيه، لا يرام بريث ولا عجل، ولا يبيت له جار إلا على وجل، إلى أن وكل أمره إلى احد اليهود واستكفاه، وجرى في ميدان لهوه حتى استوفاه، وأمره أضيع من مصباح الصباح، وهمه في غبوق واصطباح، وبلاده مراد للفاتك، وستره في يد الهاتك، فسقط الخبر على المعتضد بالله ملقح الحرب، ومنتج الطعن والضرب، الذي صار الطير تحت أجنحة العقبان، وأخذ الفريسة من فم الثعبان، فسدد إلى مالقة سهمه وسنانه، ورد إليها طرفه وبنانه، وصمم إليها تصميم سابور إلى الحضر، وعزم عليها عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النضر، ووجه إليها جيشه المتزاحم الأفواج، المتلاطم الأمواج، وعليه سيفه المستل، وحتفه المحتل، ابنه المعتمد سهام الأعادي، وحمام الأسد العادي، فلما أطل عليها أعطته صفقتها، وأمطته صهوتها، إلا قصبتها فإنها امتنعت بطائفة من السودان المغاربة لم يرضوا سفاحها، ولا أمضوا نكاحها، وفي أثناء امتناعهم، وخلال مجادلتهم ودفاعهم ، طيروا إلى باديس من ذلك خبرا أصحاه من نشوته، ولحاه على صبوته، فأخرج من حينه كتيبته التي كانت ترمي بالزند، ولا تنثني عن القنا القصد، وعليها ابن الناية قائد جنده، وموري زند، وقد كان أشار على المعتمد برابرة بتنفيس الممتنعين ولووه عن مساورتهم، وثنوه عن مراوحتهم ومباكرتهم، ومنعوه من نزالهم، وأطمعوه في استنزالهم، إنما كان ذلك أبقى على
مخ ۱۸
الأقارب، وأتقى على أوليك المغارب، فعدل عن انتهاز فرصتهم، وإبراء غصتهم، إلى الاستراحة من تعبة، والإناخة على لهوه ولعبه، وتفرق أصحابه في ارتياد الفتيات، وطراد اللذات، فما أمسى إلا وقد غشيه ليلها، وسال عليه سيلها، وأصحابه بين صريع رحيق، ومنادى من مكان سحيق، فحاب سعيه، وبال رأيه، ونجا براس طمرة ولجام، وآوى إلى أحد المعاقل أعرى من الحسام، فحقد المعتضد عليه بتنفيسه لأهل القصبة، وأصاخته إلى تلك العصبة، وضربه بالعصي، ونكله تنكيل القصي، فكتب إليه: بسيط مجزوء
مولاي اشكو إليك داء ... أصبح قلبي به جريحا
سخطك قد زادني سقاما ... فابعث إلي الرضى مسيحا
فعفا عنه وصفح، وعبق له عرف رضاه ونفخ، وقد كان قبل كتب إليه حين أمره بالمقام بالموضع الذي نحا إليه مسجونا يسليه، ويعرض له بالبربر ويستعطفه مما حصل فيه: بسيط
سكن فؤادك لا تذهب به الفكر ... ماذا يعيد عليك البث والحذر
فإن يكن قدر قد عاق عن وطر ... فلا مرد لما يأتي به القدر
وإن تكن خيبة في الدهر واحدة ... فكم غزوت ومن أشياعك الظفر
يا فارسا تحذر الأبطال صولته ... صن حد عبدك فهو الصارم الذكر
قد أخلقتني صروف أنت تعلمها ... وغال مورد أمالي لها كدر
فالنفس جازعة والعين دامعة ... والصوت منخفض والطرف منكسر
قد حلت لونا وما بالجسم من سقم ... وشبت رأسا ولم يبلغني الكبر
لم يأت عبدك ذنبا يستحق به ... عتبا وهاهو قد ناداك يعتذر
ما الذنب إلا على قوم ذوي دغل ... وفي لهى عدلك المألوف إذ غدروا
قوم نصيحتهم غش وحبهم ... يغض ونفعهم أن صرفوا ضرر
يميز البغض في الألفاظ أن نطقوا ... ويعرف الحقد في الألحاظ أن نظروا
ولما بدت الفتنة وسال سيلها، وانسحب على بهجة الهدنة ذيلها، نازل المرابطون قرطبة وفيها ابنه المأمون وكان أشهر ملوك أوانه خيرا، وأيمنهم طيرا، وما اشتغل بمعاطاة المدامة، ولا توغل للعصيان شعب ندامة، فأقاموا عليها شهورا، وأرخوا من محاصرتها والتضييق عليها ستورا، يساورونها مساورة الأراقم، ويباكرونها
مخ ۱۹
بداء من الحصار فأقم، والمأمون قد أوجس في نفسه خيفة، وتوقع منهم داهية مطيفة، فنقل ماله وأهله إلى المدور بعد أن حصنه، وملأه بالعدد وشحنه، وأقام بقصر قرطبة مضطربا، ولأول نبأة مصيخا ومرتقبا، إلا أن صبحوها يوما لعدة كانت بينهم وبين أهلها في تسم أسوارها، وتقحم أنجادها وأغوارها، فوقفوا هاربين، وتشوفوا راهبين، وأهلها يدعون بشعارهم، ويتبعون أهواء مردتهم ودعارهم، وكلهم يبدي تلومه وأحجامه، ويعتقك هولا لا يرى اقتحامه، إلى أن استهلوا استصعابه، وتوغلوا شعابه، وصمموا إلى القصر، وقد علموا قعود الجماعة عن الحماية له والنصر، فلما أحس بهم المأمون خرج بعدد قليل، وحد قليل، وقد رتبت له بطريقه رصائد، ونصبت له فيها مصائد، علق فيه زمامه، ورشق إليه منها حمامه، فانقضوا عليه انقضاض الجارح، وانصبوا إليه انصباب الطير إلى المسارح، فلم يكن له فيها أين يعرج، ولا وجد للخلاص بابا ينفرج، فقطع رأسه وحيز، وخيض به النهر وأجيز، ولما استقر بالمحلة رفع على سن رمح وطيف به في جوانبها، وأخيف به قلب مجانبها، وبقي جسده على الأرض مطروحا، كأنه لم يكن للملك روحا، ولا اختال في عراصه فحكى غصنا مروحا، وذلك بتقدير العليم ثم انتقلوا إلى رندة أحد معاقل الأندلس الممتنعة، وقواعدها السامية المرتفعة، تطرد منها على بعد ملتقاها، ودنو النجوم من ذراها، عيون لأنصبابها دوي كالرعد القاصف، والرياح العواصف، ثم تتكون واديا يلتوي بجوانبها التواء الشجاع، ويزيدها في التوعر والامتناع، وقد تجونت نواحيها وأقطارها، وتكونت فيها لباناتها وأوطارها، لا يعتذر لها مطلب، ولا يتصور فيها عدو إلا علقه ناب أو مخلب، فأناخوا منها على بعد، وأقاموا من الرجاء بها على غير وعد، وفيها ابنه الراضي لم يحفل بأناختهم بإزائه، ولا عدها من أرزائه، لامتناعه عن منازلتهم، وارتفاعه عن مطاولتهم، إلى أن انقضى في أمر إشبيلية ما انقضى، وأفضى أمر أبيه إلى ما أفضى، فحمل على مخاطبة ولله لينزل عن صياصيه، ويمكنهم من نواصيه، فنزل برا بأبيه، وإبقاء على أرماق ذويه، بعد أن عاقدهم مستوثقا، وأخذ عليهم عهدا من الله وموثقا، فلما وصل إليهم، وحصل في أيديهم، ومالوا به عن الحصن وجرعوه الردى، واقطعوه الثرى حين أودى، وفي ذلك يقول المعتمد يرثيهما وقد رأى قمرية بائحة بشجنها، نائحة بفننها على سكنها، وأمامها وكر فيه طائران يرددان نغما، ويغردان ترحة وترنما:
مخ ۲۰
طويل
بكت أن رأت الفين ضمهما وكر ... مساء وقد أخنى على ألفها الدهر
وناحت فباحت واستراحت بسرها ... وما نطقت حرفا يبوح به سر
فما لي لا أبكي أم القلب صخرة ... وكم صخرة في الأرض يجري بها نهر
بكت واحدا لم يشجها غير فقه ... وأبكي لآلاف عديدهم كثر
بنى صغيرا أو خليل موافق ... يمزق ذا فقر ويغرق ذا بحر
ونجمان زين للزمان احتواهما ... بقرطبة النكداء أو رندة القبر
عذرت إذا أن ضن جفني بقطرة ... وإن لؤمت نفسي فصاحبها الصبر
فقل للنجوم الزهر تبكيهما معي ... لمثلهما فلتحزن الأنجم الزهر
ولما تم في الملك أمك، وأراد الله أن تخر عمك، وتنقرض أيامه، وتتقوض عن عراص الملك خيامه، نازلته جيوش أمير المسلمين ومحلاته، وظاهرته فساطيطه ومظلاته، بعدما نثرت حصونه وقلاعه، وسعرت بالنكاية جوارحه وأضلاعه، وأخذت عليه الفروج والمضائق، وثنت إليه الموانع والعوائق، وطرقته بالأضرار، وأمطرته كل ديمة مدرار، وهو ساه بروض ونسيم، لاه براح ومحببا وسيم، زاه بفتاة تنادمه، ناه عن هدم أنس هو هادمه، لا يصيخ إلى نبأة سمعه، ولا ينيخ إلا على لهو يفرق جموعه جمعه، قد ولى المدامة ملامه، وثنى إلى ركنها طوافه واستلامه، وتلك الجيوش تجوش خلاله، وتقلص ظلاله، محين اشتد حصاره، وعجزت عن المدافعة أنصاره، ودلس عليه ولاته، وكثرت أدواؤه وعلاته، فتح باب الفرج، وقد لفح شواظ الهرج، فدخلت عليه من المرابطين زمرة، واشتعلت لهم من التغلب جمرة، تأجج اضطرامها، وسهل بها إيقاد البقية وإضرامها، وعندما سقط الخبر عليه خرج حاسرا من مفاضته، جامحا كالمهر قبل رياضته، فلحق أوائلهم عند الباب المذكور وقد انتشروا في جنباته، وظهروا على البلد من أكثر جهاته، وسيفه في يده يتلمظ الطلا والهام، ويعد بانفراج ذلك الإبهام، فرماه أحد الداخلين برمح تخطاه، وجاوز مطاه، فبادره بضربه أذهبت نفسه، وأغربت شمسه، ولقي ثانيا فضربه وقصمه، وخاض حشا ذلك الداء فحمسه، فأجلوا عنه، وولوا فرارا منه، فأمر بالباب فسد، وبني منه ماهد، ثم انصرف وقد أراح نفسه وسفاها، وأبعد الله عنه الملامة ونفاها، وفي ذلك يقول عند ما خلع، وأودع من المكروه ما أودع: كامل مجزوء
أن يسلب القوم العدا ... ملكي وتسلمني الجموع
مخ ۲۱
فالقلب بين ضلوعه ... لم تسلم القلب الضلوع
قد رمت يوم نزالهم ... ألا تحصنني الدروع
وبرزت ليس سوى القمي? ... ?ص على الحشى شيء دفوع
أجلي تأخر لم يكن ... بهواي ذلي والخضوع
ما سرت قط إلى القتا ... ل وكان من أملي الرجوع
شيم الأولى أنا منهم ... والأصل تتبعه الفروع
وما زالت عقارب تلك الداخلة تدب، وريحها العاصفة تهب، وضلوعها تحنق وتحقد، وتضمر الغدر وتعتقد، حتى دخل البلد من واديه، وبدت من المكروه بواديه، وكر عليه الدهر بعوائد وعواديه، وهو مستمسك بعرى لذاته، منغمس فيها بذاته، ملقى بين جواريه، مغتر بودائع ملكه وعواريه، التي استرجعت منه في يومه، ونبهه فواتها من نومه، ولما انتشر الداخلون في البلد، وأوهنوا القوى والجلد، خرج والموت يتسعر في الحاظه، ويتصدر من ألفاظه، وحسامه يعد بمضائه، ويتوقد عند انتضائه، فلقيهم في رحبة القصر وقد ضاق بهم فضاؤها، وتضعضعت من رجتهم أعضاؤها، فحمل فيهم حملة صيرتهم فرقا، وملأتهم فرقا، ومازال يوالي عليهم الكر، حتى أوردهم النهر، وما بهم جواد، وأودعهم حشاه كأنهم له فؤاد، ثم انصرف وقد أيقن بانتهاب ماله، وذهاب ملكه وارتحاله، وعاد إلى قصره واستمسك به يومه وليته مانعا لحوزته، دافعا للذل عن عزته، وقد عزم على أفظع أمر، وقال يبدي لا بيد عمرو، ثم صرفه تقاه، عما كان نواه، فنزل من القصر بالقسر، إلى قبة الأسر، فقيد للحين، وحان له يوم شر ما ظن أنه يحين، ولما قيدت قدماه، وبعدت عنه رقة الكبل ورحماه، قال يخاطبه: طويل
إليك فلو كانت قيودك أشعرت ... تصرم منها كل كف ومعصم
مخافة من كل الرجال بسيبه ... ومن سيفه في جنة أو جهنم
ولما آلمه عضه، ولازمه كسره ورضه، وأوهاه ثقله، وأعياه نقله، قال: متقارب
تبدلت من عز ظل البنود ... بذل الحديد وثقل القيود
وكان حديدي سنانا ذليقا ... وعضبا رقيقا صقيل الحديد
فقد صار ذاك وذا أدهما ... يعض بساقي عض الأسود
ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت، وضمتهم جوانحها كأنهم أموات، بعد
مخ ۲۲
ما ضاق عنهم القصر، وراق منهم العصر، والناس قد حشروا بضفتي الوادي، وبكوا بدموع كالغوادي، فساروا والنوح يحدوهم، والبوح باللوعة لايعدوهم، وفي ذلك يقول ابن اللبانة: بسيط
تبكي السماء بمزن رائح غاد ... على البهاليل من أبناء عباد
على الجبال التي هدت قواعدها ... وكانت الأرض منهم ذات أوتاد
عريسة دخلتها النائبات على ... أساود لهم فيها وأساد
وكعبة كانت الآمال تخدمها ... فاليوم لا عاكف فيها ولا باد
يا ضيق أفقر بيت المكرمات فخذ ... في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد
ويا مؤمل واديهم ليسكنه ... خف القطين وجف الزرع بالوادي
وأنت يا فارس الخيل التي جعلت ... تختال في عدد منهم وأعداد
ألق السلاح وخل المشرفي فقد ... أصبحت في لهوات الضيغم العادي
لما دنا الوقت لم تخلق له عدة ... وكل شيء لميقات وميعاد
أن يخلعوا فبنوا العباس قد خلعوا ... وقد خلت قبل حمص أرض بغداد
حملوا حريمهم حتى إذا غلبوا ... سيقوا على نسق في حبل مقتاد
وأنزلوا في متون الشهب واحتملوا ... فريق دهم لتلك الخيل انداد
وعيث في كل طوق من دروعهم ... فصيغ منهن أغلال لأجياد
نسيت إلا غداة النهر كونهم ... في المنشآت كأموات بالحاد
والناس قد ملأوا العبرين واعتبروا ... من لؤلؤ طافيات فوق أزباد
حط القناع فلم تستر مخدرة ... ومزقت أوجه تمزيق أبراد
حان الوداع فضجت كل صارخة ... وصارخ من مفداة ومن فاد
سارت سفائنهم والنوح يصحبها ... كأنها إبل يحدو بها الحادي
كم سال في الماء من دمع وكم حملت ... تلك القطائع من قطعات أكباد
ولما نقل من بلاده، وأعرى من طارفه وتلاده، وحمل في السفين، وأحمل في العدوة محل الدفين، تنبه منابره وأعواده، ولا يدنو منه زواره ولا عوادة، بقي آسفا تتصعد زفراته، وتطرد أطراد المذانب عبراته، لا يخلو بموانس، ولا يرى إلا عرينا بدلا من تلك المكانس، ولما لم يجد سلوا، ولم يؤمل دنوا، ولم يروجه مسرة مجلوا، تذكر منازله فشاقته، وتصور بهجتها فراقته، وتخيل استيحاش
مخ ۲۳
أوطانه، وأجهاش قصره إلى قطانه، وإظلام جوه من أقماره، وخلوة من حراسة وسمارة، فقال: بسيط
بكى المبارك في أثر ابن عباد ... بكى على أثر غزلان وأساد
بكت ثرياه لا غمت كواكبها ... بمثل نوء الثريا الرائح الغادي
بكى الوحيد بكى الزاهي وقبتة ... والنهر والتاج كل ذلة باد
ماء السماء على أبنائه درر ... يا لجة دومي ذات أزباد
وفي ذلك يقول ابن اللبانة: بسيط
استودع الله أرضاه عندما وضحت ... بشائر الصبح فيها بدلت حلكا
كان المؤيد بستانا بساحتها ... يجني النعيم وفي عليائها فلكا
في أمره لملوك الدهر معتبر ... فليس يغتر ذو ملك بما ملكا
نبكيه من جبل خرت قواعده ... فكل من كان في بطحائه هلكا
ما سد موضعه للرزق سد به ... طوبى لمن كان يدري أية سلكا
وكان الحصن الزاهر من أجمل المواضع لديه وأبهاها، وأحبها إليه وأشهاها، لإطلاله على النهر، وإشرافه على القصر، وجماله في العيون، واشتماله بالشجر والزيتون، وكان له به من الطرب، والعيش المزري بحلاوة الضرب، ما لم يكن بحلب لبني حمدان، ولا لسيف بن ذي يزن في رأس غمدان، وكان كثيرا ما يدير به راحه، ويجعل فيه انشراحه، فلما استد إليه الزمان بعدوانه، ووسد عليه أبواب سلوانه، لم يحن إلا إليه، ولم يتمن إلا الحلول لديه، فقال: طويل
غريب بأرض المغربين أسير ... سيبكي عليه منبر وسرير
وتندبه البيض الصوارم والقنا ... وينهل دمع بينهن غزير
مضى زمن والملك مستانس به ... وأصبح منه اليوم وهو نفور
برأي من الدهر المضلل فاسد ... متى صلحت للصالحين دهور
أذل بني ماء السماء زمانهم ... وذل بني ماء السماء كبير
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... أمامي وخلفي روضة وغدير
بمنبتة الزيتون مورثة للعلا ... يغني حمام أو تدن طيور
بزاهرها السامي الذرى جاده الحيا ... تشير الثريا نحونا ونشير
ويلحظنا الزاهي وسعد سعوده ... غيورين والصب المحب غيور
مخ ۲۴