عطر هو المسك السطيع يطيب في ... شم العقول أريجه المتنسم
فإذا غصون المكرمات تهدلت ... كان الهديل ثناءها المترنم
الفخر ثغر عن حياضك باسم ... والمجد برد من وفائك معلم
فاسلم مدى الدنيا جمالها ... وتسوغ النعمى فإنك منعم
ولما ثل عرش الخلافة وخوى نجمها، ووهى ركن الإمامة وطمس رسمها، وصار الملك دعوى، وعادت العافية بلوى، استنسر البغاث، وصحت الأضغاث، واستاسد الظبي في كناسه، وثار كل أحد في ناسه، وخلت المنابر من رقاتها، وفقدت الجمع مقيمي أوقاتها، وكان باديس بن حبوس بغرناطة عاثيا في فريقه، عادلا عن سنن العدل وطريقه، يجتري على الله غير مراقب، ويجري إلى ما شاء غير ملتفت للعواقب، قد حجب سنانه لسانه، وسبقت إساءته إحسانه، ناهيك من رجل لم يبت من ذنب على ندم، ولا شرب الماء إلا من قليب دم، احزم من كاد ومكر، وأجرم من راح وابتكر، ومازال متقدا في مناحيه، مفتقدا لنواحيه، لا يرام بريث ولا عجل، ولا يبيت له جار إلا على وجل، إلى أن وكل أمره إلى احد اليهود واستكفاه، وجرى في ميدان لهوه حتى استوفاه، وأمره أضيع من مصباح الصباح، وهمه في غبوق واصطباح، وبلاده مراد للفاتك، وستره في يد الهاتك، فسقط الخبر على المعتضد بالله ملقح الحرب، ومنتج الطعن والضرب، الذي صار الطير تحت أجنحة العقبان، وأخذ الفريسة من فم الثعبان، فسدد إلى مالقة سهمه وسنانه، ورد إليها طرفه وبنانه، وصمم إليها تصميم سابور إلى الحضر، وعزم عليها عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النضر، ووجه إليها جيشه المتزاحم الأفواج، المتلاطم الأمواج، وعليه سيفه المستل، وحتفه المحتل، ابنه المعتمد سهام الأعادي، وحمام الأسد العادي، فلما أطل عليها أعطته صفقتها، وأمطته صهوتها، إلا قصبتها فإنها امتنعت بطائفة من السودان المغاربة لم يرضوا سفاحها، ولا أمضوا نكاحها، وفي أثناء امتناعهم، وخلال مجادلتهم ودفاعهم ، طيروا إلى باديس من ذلك خبرا أصحاه من نشوته، ولحاه على صبوته، فأخرج من حينه كتيبته التي كانت ترمي بالزند، ولا تنثني عن القنا القصد، وعليها ابن الناية قائد جنده، وموري زند، وقد كان أشار على المعتمد برابرة بتنفيس الممتنعين ولووه عن مساورتهم، وثنوه عن مراوحتهم ومباكرتهم، ومنعوه من نزالهم، وأطمعوه في استنزالهم، إنما كان ذلك أبقى على
مخ ۱۸