قدیم او حدیث

محمد کرد علی d. 1372 AH
136

قدیم او حدیث

القديم والحديث

ژانرونه

جميع المشروبات الروحية، وهذا التحريم من محاسنها.»

نعم، حرم الإسلام الخمر، ولكن أمتنا عز عليها إلا أن تزهد في كل ما أتى به شرعها من المحاسن، وأن تقلد غيرها فيما هم منه يشكون ويئنون، ولو كنا أخذنا عن الغربيين النافع كما تلقفنا الضار لهان الأمر، وسلمنا من النقد بعض السلامة، ولكننا أجدنا التقليد في المضار، ولم نحسن الجري على مثالهم في المنافع.

قضى الله أن تمنى هذه البلاد بحكومة ليست منها ولا مزاجها مما يلتئم مع مزاج من تحكم عليهم، فكان من الغرب أنه أخذ منذ عشرات السنين، يحارب المسكرات بكل قوته، ونحن نفتح لها السبل ونهيئ الأسباب، الغرب يضرب عليها المكوس الفادحة، ونحن باسم الحرية التجارية، وبفضل تهاون الحكومة نقبل من ضروبها ما نعرف جوهره وما لا نعرفه، يقوم قادة الأفكار في الغرب فيبينون مضار الخمور، وينعون على شاربيها، ويضيقون المسالك في وجوه عاصريها وبائعيها، وأغلب قادة الأفكار منا يشربونها بلا حرج ولا نكير، بل يسخرون ممن لا يشاركونهم في إثمهم، ويريدونهم على أن يتشبهوا بهم ليعدوا من المتمدنين العصريين.

فالذنب إذن ليس على الحكومة وحدها، بل عليها وعلى الأهالي أيضا، بيد أن هؤلاء يعذرون بعض الشيء؛ لأن الحكومة لم تعلمهم التعليم الصحيح، حتى يتبين لهم الضار من النافع، وما دام السواد الأعظم جهالا وخيرة الناس ليس لهم من الأمر شيء، فاللوم يرجع على الحكومة في الأكثر.

والغالب أن عميد الاحتلال أدرك ما تتوقع البلاد من الشرور، إذا هي ظلت مسترسلة في الخمور، فقال في تقريره: إن الحكومة وجهت التفاتا خاصا إلى مسألة المسكرات؛ لأنها من المسائل المهمة، وإنها رفضت عام 905م 370 عريضة طلب أربابها رخصا ببيع المسكرات، وأنها لم تعط رخصة إلا بعد أن ظهر من البحث الدقيق أن معظم الأوروبيين المقيمين في جوار الحانة لا يستغنون عنها، وأنه نقص 278 من الأماكن ذات الرخصة وغيرها منها 178 محلا ليست ذات رخصة.

قال: وقد تم الاتفاق مع سكة الحديد على إقفال الحوانيت التي تفتح تحت اسم «بوفيه» في جميع المحطات ما عدا الكبيرة، فكلما انتهت رخصة واحدة منها لا تجدد لها ما لم تكن المحطة مهمة، وإن القانون الحاضر لا يسري على بيع المسكر في زجاجات أو براميل؛ ولذلك لم تراقب دكاكين البقالين، وغيرهم من الذين يبيعون المسكرات.

قال: ويظهر أن العمال في الأرياف قلما يتعاطون المسكرات! وقل أن يرى ساكنو الأرياف رجلا سكران! أما البنادر فالسكر فيها أكثر انتشارا ولكنه ليس كثيرا لحسن الحظ، وقال المستر متشل: من أعظم عيوب نظام الامتيازات الأجنبية أننا نسعى جهدنا في منع بيع المسكر بالمفرق ولا نستطيع منع عمله وبيعه براميل.

هذا كلام زعيم الاحتلال، وهو - كما تراه - لو أنصفت لا يخلو من جمجمة، فقد تلطف في قوله: إن أهل الأرياف قلما يرون ثملا، وإن السكر شائع في البنادر، وإن الحكومة لا تعطي رخصا ببيع المسكرات إلا في المحال التي لا يستغني عنها الغربيون النازلون في جوارها.

كل من طاف الأرياف وخبر حال البنادر والدساكر يتضح له أن الحانات في القرى تزداد سنة عن سنة بل شهرا عن شهر، فيجيء الرومي يفتح دكان «بقالة»، ويضع برميلا من الكحول، فما هو إلا أن تمضي سنة حتى يقتل كثيرين بما يسقيهم من السم الزعاف ويروح بالمغانم، فيكون له الغنم وعلى غيره الغرم، وتستوي في ذلك القرى التي فيها أوروبيون لا يستغنون عن الحانات، فتفتح من أجلهم والقرى التي لا يكثر في جوارها الغربيون.

كلما نادى المنادون في التماس تعديل الإدارة الحاضرة قالت لهم الحكومة: كنت أفعل لولا ما هناك من الامتيازات الأجنبية، فإنها تعوقني عن مباشرة أي عمل، وتغل مني اليد والساعد، ولكن حصون الامتيازات ليست بالذي يصد في الحقيقة من عمل ينتفع به الأجانب كما ينتفع به الوطنيون.

ناپیژندل شوی مخ