ظهيرها ونصيرها، ويقيس حاله بالإنكليز على أنهم سباق غايات وأصحاب آيات بينات، ثم إذا قضى من تينك المملكتين لبانته، وعرف بالنسبة إليهما حالته، يركب البحر المحيط الأتلانتيكي ليتبصر فيما تورثه جدد الفضائل في هذا القرن الحديث، وينجلي له الفرق بين رغائبه ورغائب الأميركان.
لفرنسا نظارة للمعارف العمومية، ولأمريكا مدرسة للتربية، فالأولى تعلم والثانية تربي، الأولى تلقن أبناءها كلمات يحفظونها، والثانية تعلم مبادئ يسيرون عليها، تعد فرنسا أدمغة لحفظ قانون، وتهيئ أميركا أذرعا للعمل، الأميركان رجال عمل، والفرنسيس ليسوا كذلك، يغرس الأميركان في نفوس ناشئتهم شهامة الإرادة التي لا تجدي أجمل الهبات الخلقية بدونها، ولا يكون العلم نفسه إلا عطلا من النفع مع فقدها، وهذا هو القانون الذي سنه لهم فيلسوفهم إميرسون
4
تلميذ هيكل الألماني
5
القائل في فلسفته: إن الحياة ليست شغلا عقليا ولا مناقشة ومهاوشة، بل الحياة إنما هي العمل. ولقد علق في أعلى باب كل مدرسة بأميركا شعار معناه: إن تهذيب الخلق أسمى غاية للمدرسة، وعلى الشبان أن يحسنوا معرفة الحياة بإرادة ثابتة.»
ثم توسع الكاتب في بيان نقص تربية أبناء وطنه وعاد يقول:
يلزمنا رجال مهذبون لا رجال متعلمون، وفي فرنسا طبقتان من المدارس، أولاهما للصغار وثانيتهما للكبار، وبعبارة أجلى مدارس الصناع ومدارس المفكرين، أما حسن التربية الإنكليزية السكسونية ورجحانها على التربية الفرنساوية، فهي قائمة فيما أوتيه بعضهم من الصفات الشخصية مثل المروءة وحسن الخلق والحصافة والبداهة والجرأة والإقدام على المشروعات والاكتشاف والافتتاح والمخاطر، فبدلا من أن تنمي فرنسا في نفوس أبنائها هذه الصفات تغرس فيهم ملكات حب التآلف والاجتماع، تبث فيهم التأثر بدل المروءة، وتبث فيهم الخشية من أقوال الناس، فيشاكل المرء الجمهور بأقواله وأفعاله بدل تنشئتهم على خلق يبقى فيه الإنسان مستقلا بنفسه، وبدل الحصافة التي يتأتى بها للمرء إيجاد الأشياء بذاته تقوى فيه ملكة الذاكرة التي تعيد عليه ذكر الأشياء التي يحفظها مما عثر عليها غيره بالتجارب، وعوضا عن البداهة التي يتمكن بها المرء من تطبيق ما أوجده بنفسه تبث فيه الثقة، فيصبح عرضة لأغراض حكامه، وبدل الجرأة تبث فيه الحذر، وبدل الإقدام على المشروعات والفتوح والاستنفاض (فتح البلاد) تبث فيه ملكة الاقتصاد والسلم وحب السكن، وبدلا من اقتحام المخاطر تحسن له الرضى بالاستخدام.
ثم أجمل الكلام هنا على الفلاحين والصناع والتجار والعملة من مجموع الأمة الفرنساوية، وانتقل إلى الخيار من قومه، وعنى بهم العلماء والفلاسفة وأهل البصر، فقال مستندا إلى أقوال العلماء:
إن دماغ الجنس السكسوني متمدد ومحدود، وذكاءه تحليلي وجنسه جنس العمل والكد، وعلى عكسه دماغ الجنس الفرنساوي؛ فإنه موسع وذكاؤه تأليفي، وهو خيالي يعشق التصورات، وبالجملة يعنى الجنس الأول أبدا بالحقائق على حين يفضل الثاني الأفكار والخواطر، يجيد السكسوني في الغالب القيام على الأعمال المادية، وبعض الفرنسيس يحرزون قصب السبق في ميادين الذكاء المتسعة الأطراف .
ناپیژندل شوی مخ