46

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

خپرندوی

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٤١ هـ

د خپرونکي ځای

السعودية

ژانرونه

وَأَصْلُ ذَلِكَ: هَل يَثْبُتُ حُكْمُ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن سَمَاعِهِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ. الصَّحِيحُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ: أَنَّ الْخِطَابَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ أَحَدٍ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن سَمَاعِهِ؛ فَإِنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَنَظَائِرِهَا، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى انْتِفَاءِ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَفَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَن الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّأثِيمِ فَكَيْفَ فِي التَّكْفِيرِ؟ وَكَثِيرٌ مِن النَّاسِ قَد يَنْشَأُ فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الَّذِي يَنْدَرِسُ فِيهَا كَثِيرٌ مِن عُلُومِ النُّبُوَّاتِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَن يُبَلِّغ مَا بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ مِن الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، فَلَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا يَبْعَثُ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَن يُبَلِّغُهُ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ، وَلهَذَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَن نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَن أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَأَنْكَرَ شَيْئًا مِن هَذِهِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَقَد دَلَّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ، وَبصْفَهُ فِي البَحْرِ؛ فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ؛ فَأَمَرَ الله البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِن خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ" (^١). فَهَذَا الرَّجُلُ ظَنَّ أَنَّ اللهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذَا تَفَرَّقَ هَذَا التَّفَرُّقَ، فَظَنَّ أَنَّهُ لَا

(^١) قال الشيخ في موضع آخر: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَوَاتِرٌ عَن النَبِيِّ ﷺ، رَوَاهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْأسَانيدِ مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِمْ، عَن النَبِيِّ ﷺ مِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، يَعْلَمُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا تُفِيدُهُم الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ، وَإِن لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِمَن لَمْ يَشْرَكهُم فِي أَسْبَابِ الْعِلْمِ (١٢/ ٤٩١).

1 / 52