76

نزهت الامم

نزهة الأمم في العجائب والحكم‏

ژانرونه

وقال ابن عبد الحكم: ولما فتح عمر بن العاص مصر أتى أهلها إلي عمرو، حين دخل بؤونة من أشهر القبط، فقالوا له: أيها الأمير أن لنيلنا هذا سنة لا يجرى إلا بها. فقال لهم وما ذاك. قالوا: إنه إذا كان لثنتى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر، عمدنا إلى جارية بكر [من أبويها] (1) وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل.

فقال لهم عمرو: أن هذا لا يكون في الإسلام، وأن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤونة وأبيب ومسري لا يجري قليلا ولا كثيرا حتي هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب إليه عمر ألم تعلم أن الإسلام يهدم ما كان قبله وقد بعثت إليك بطاقة فألقها [ق 70 أ] في داخل النيل.

فلما قدم الكتاب علي عمر وفتح البطاقة فإذا فيها: [ «من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك»].

فألقي عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، وأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله تعالى ست عشر ذراعا في ليلة، وقطع تلك السنة السوء من أهل مصر.

وذكر بعضهم أن جاحلا الصدفي هو الذي قرأ بطاقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي النيل حين [توقف] فجرى بإذن الله تعالي.

وقال يزيد بن أبي حبيب: أن موسي عليه الصلاة والسلام دعا علي آل فرهون فحبس الله عنهم النيل حتي أرادوا الجلاء، فطلبوا إلي موسي أن يدعو الله، فدعا الله رجاء أن يؤمنوا وذلك في ليلة الصليب، فأصبحوا وقد أجري الله النيل في تلك الساعة [ق 70 ب] ستة عشر ذراعا فاستجاب الله لعمر بن الخطاب، كما استجاب لنبيه موسي (عليه السلام).

قال القضاعى: ووجدت في رسالة منسوبة إلي الحسن بن محمد بن عبد المنعم قال: لما فتحت العرب مصر عرف عمر بن الخطاب ما يلقي أهلها من الغلاء عند وقوف النيل، فضلا عن تقاصره وأن أفرطت الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار، وأن الاحتكار يدعوا إلى تصاعد الأسعار للقحط.

مخ ۸۴