منه: وبدل الله مكان السيئة الحسنه، ونقل بيت عبادته من يد أصحاب المشأمة إلى أصحاب الميمنة.
منه: فكم أهلة سيوف تقارضها الضراب حتى عادت كالعراجين، وكم أنجم قنا تبادلت الطعان حتى صارت كالمطاعين، وكان اليوم مشهودا والملائكة شهودا، وكان الصليب صارخا والإسلام مولودا، وكانت ضلوع الكفار لنار جهنم وقودا.
منه وقد ذكر القومص وفراره: وكان مليا يوم الظفر بالقتال ويوم الخذلان بالاحتيال، فنجا ولكن كيف، وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرمح وجناح السيف، وكان لعدتهم كذلك، وانتقل من ملك الموت إلى مالك. وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا البيضاء صنعا، الخافقة هي وقلوب أعدائها، هي وعزائم أوليائها، المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر، وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر.
منه: ويحصد كفرا ويزرع إيمانا، ويحط من جوامعها صلبانا ويرفع أذانا، ويبدل المذابح منابر والكنائس مساجد، ويبوىء أهل القرآن بعد أهل الصلبان للقتال مقاعد، ويقر عينه وعين أهل الإسلام أن تعلق النصر منه ومن عسكره بجارٍ ومجرور، وأن يظفر بكل سور ما كان يخاف زلزاله وزياله إلى يوم النفخ في الصفح.
منه: وقبالها ثم قاتلها، ونزل إليها ثم نازلها، وبرز لها ثم بارزها، وحاجزها ثم ناجزها، فضمها ضمةً ارتقب بعدها الفتح، وصدع جمعها فإذا هم لا يصبرون على عبودية الحد عن عتق الصفح.
منه: وقدم المنجنيقات التي تتولى عقوبات الحصون عصيها وحبالها، وأوتر لهم قسيها التي تضرب ولا تفارق سهامها نصالها، فصافحت السور فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك، وقدم النصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ويعلو علوه إلى السماك، فشج مرادغ أبراجها، وأسمع صوت عجاجها، فأخلى السور من السيارة، والحرب من النظارة، وأمكن للنقاب أن يسفر للحرب النقاب، وأن يعيد الحجر إلى سيرته من التراب، فتقدم إلى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله، وحل عقده بضربه الأخرق الدال على لطافة أنمله، وأسمع الصخرة الشريفة حنينه واستغاثته إلى أن كادت ترق لمقتله، وتبرأ بعض الحجارة من بعض، وأخذ الخراب عليها موثقا فلن يبرح الأرض، وفتح من السور بابا سد من نجاتهم أبوابا، وأخذ يفت في حجره فقال الكافر يا ليتني كنت ترابا.
منه في تسلم البلد: وملك الإسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان، فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان، لا جرم أن الله تعالى أخرجهم منها وأهبطهم، وأرضى أهل الحق وأسخطهم.
منه: وفيها كل غريب من الرخام الذي يطرد ماؤه، ولا ينطرد لألاؤه، قد لطف الحديد في تجزيعه، وتفنن في توسيعه، إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد، كالذهب الذي فيه نعيم عتيد، فما ترى إلا مقاعد كالرياض بها من بياض الترخيم رقراق، وعمدا كالأشجار لها من التنبيت أوراق.
منه: وأقيمت الخطبة وكادت السموات ينفطرن للسجوم لا للوجوم، والكواكب تنتثر للطرب لا للرجوم، ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طريقها مسدودة، وطهرت قبور الأنبياء وكانت بالنجاسات مكدودة، وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها، وجهر باسم أمير المؤمنين في موطنه الأشرف من المنبر، فرحب به ترحيب من بر بمن بر، وخفق علماه في خافقتيه فلو طار سرورا لطار بجناحيه.
منه: وكل مشقة بالإضافة إلى الفتح محتملة، وأطماع الفرنج بعد ذلك غير مرجئة ولا معتزلة، فإن يدعوا دعوةً يرجو الخادم من الله أن لا تسمع ولن يفكوا أيديهم من أطواق البلاد حتى تقطع، ولهذه البشائر أخبار لا تكاد من غير الألسنة تتشخص، ولا بما سوى المشافهة تتلخص، فلذلك نفذ فلانا شارحا، ومبشرا صادحا، يطالع بالخبر على سياقته، ويعرض جيش المسرة من طليعته إلى ساقته. وهو فلان.
وقال من كتاب آخر عند ذكر الصخرة: فقد كان بخت الناصر في رد القدس أمضى من سيف بخت ناصر.
وذكرت هنا أبيات الصاحب جمال الدين ابن مطروح ﵀ وهي:
المسجد الأقصى له عادةٌ ... سارت فصارت مثلا سائرا
إذا غدا للكفر مستوطنا ... أن يبعث الله له ناصرا
فناصرٌ طهّره أولا ... وناصرٌ طهّره آخرا
رجع إلى كلام الفاضل:
1 / 74