هذا ما كان من أمر حديث الغرانيق، وما كان من إيضاحات القرآن الكريم لما حدث، ولكن ما يعنينا ونهتم به ويدخل في إطار بحوثنا، بعيدا عن بحوث المغيبات الدينية ذاتها، التي لها ميدانها وفرسانها، هو قراءة الواقع الذي حدثت فيه الحادثة، ومعرفة الظروف التي لابستها. لنفهم كيف كان القصد من الأمر فتنة قوم في قلوبهم مرض، وكيف قست قلوب آخرين فتم اختبارهم وفرزهم. وبالإطلال على تلك الفترة الزمكانية نرى الواقع لم يفرز بعد عددا من الحواجز بين النبي وقومه، لكن كانت هناك حواجز قد قامت بالفعل، كانت من وجهة نظر المشركين هي الحواجز الأساسية والحاسمة. والمعلوم أن قريشا لم تكن تختلف مع المصطفى
صلى الله عليه وسلم
حول المسألة العقدية الأولى لدعوته، وهي الإيمان بإله واحد يحيي ويميت يخلق ويرزق، ومصدر علمنا بذلك من القرآن الكريم ذاته، والذي شهد لهم بذلك في عدد من الآيات المكرمة، ومن تلك الآيات:
ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون (العنكبوت: 61)،
قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون (المؤمنون: 86-87)، وغير تلك الآيات بذات المعنى كثير. لكن وجه الخلاف، والحاجز الكبير، كان يتمثل في دعوة النبي
صلى الله عليه وسلم
لإسقاط شفاعة الشفعاء من أرباب العرب.
وهكذا كان معنى أن يلغي محمد
صلى الله عليه وسلم
الشفعاء، هو إلغاء الحاجز الأخير بين القبائل وبعضها، وإسقاط الرمز القوي السيادي المتماهي مع السيد الأرستقراطي هذا ناهيك عن نظرتهم إلى النبي
ناپیژندل شوی مخ