قيل لهم: فما أنكرتم أيضا أن موسى لاهوتي وناسوتي؛ لأنه قلب العصا حية واليد بيضاء من غير سوء.
فإن قالوا: إنه دعاء ربه، فقلب له العصا، وما هو منه.
قلنا لهم: وكذلك نقول إن عيسى دعاء ربه فأحيى له الموتى إظهارا لمعجزته.
ثم يقال لهم: ما قولكم فيه، حيث قتل وصلب - على ما ذكرتموه - أقتل لاهوتي؟
فإن قالوا: نعم، فقد صرحوا بأن ما قالوه لا أصل له؛ لأن القديم لا يقتل.
ولو كان قديما لما قتل.
وإن قالوا: إن القديم يموت ويقتل، فقد صرحوا بأنه محدث؛ لأن كل زائل عن صفته طارئ عليه ضده ألا يكون محدثا؟ فلا يجدون في ذلك فضلا، ولا عنه مخرجا.
ثم يقال لهم: فما الذي دعاكم إلى قولكم:بأن عيسى لاهوتي؟
فإن قالوا: لأنه وجد من غير ذكر.
قلنا لهم: فقولوا: إن حواء - عليها السلام - لاهوتية، لأنها وجدت من غير أنثى. بل قولوا: آدم لاهوتي، لأنه وجد من غير ذكر، ولا أنثى. وبالله التوفيق.
الباب السادس والثلاثون
في الدر على اليعقوبية من النصارى
يقال لمن قال من اليعقوبية: إن كلمة الله انقلبت لحما ودما بالإيجاد. إذا جاز عندكم ذلك، فلم لا جاز أن ينقلب القديم حديثا، والحديث قديما بالإيجاد، كما جاز أن تنقلب الكلمة لحما ودما، وهي ليست بلحم ولا دم لعينها؟
ويقال لهم: إذا زعمتم أن البارئ والد لكلمته، وأنه ابن كلامه، أتزعمون أن الإنسان ولد كلامه ووالده؟
فإن قالوا: لا.
قيل لهم: ولم منعتم ذلك، وما الفضل بينكم وبين من عكس عليكم، فزعم أن الإنسان ليس والدا لكلامه، وأنه أبوه، والقديم ليس كذلك، على قلب ما قلتم؟
فإن قالوا: إن الإنسان ليس بوالد لكلامه؛ لأن ذاته قبله، والقديم والد لكلامه، لأن ذاته لم تسبقه. وهذا قلب العقول. وإما أن يعكس هذا عليكم فيقال لكم: ما أنكرتم بأن يكون القديم ليس باي لكلامه، وأن يكون الإنسان أبا لكلامه؛ لأن ذات الإنسان سابقة لكلامه. وذات القديم ليست كذلك.
مخ ۲۷