ويقال لهم: إذا أثبتم جوهرا غير قابل ما تفعله الجواهر، وأخرجتموه من أن تكون أحكامه أحكامها، فما الفضل بينكم وبين من أثبت في الغائب شيئا، ليس بجوهر ولا عرض، على خلاف الشاهد؟
فإن استحال ذلك، لأن الشئ في الشاهد، لا يخلو من أن يكون جوهرا أو عرضا. فلذلك اختلف قولكم: إن الجوهر في الشاهد لا يكون إلا قابلا للأعراض.
فإن قالوا فهل شاهدتم شيئا يخلو من أن يكون جوهرا، أو عرضا أو موجودا، من كونه جسما أو عرضا؟
قيل له لا.
فإن قال: فهلا قضيتم بذلك على الغائب؟
قيل له: إن الشئ لم يكن شيئا فيما بيننا؛ لآنه جوهر، ولا أنه عرض؛ لأنه لو كان شيئا لأنه جوهر، كان لا شئ إلا جوهر ، ولا شئ إلا وهو عرض وكذلك لم يكن الموجود موجودا لأنه جوهر، ولا لأنه عرض ولا لأنه جسم. فلما لم يكن كذلك، لم يجب القضاء بذلك، على الغائب.
فإن قالوا:لما استحالت الأفعال، ممن هو قائم بغيره، وكانت للبارئ أفعال، وجب أن يكون قائما بنفسه، وجب أن يكون جوهرا.
قيل لهم: ما الفرق بينكم وبين من قال: لما كانت للبارئ أفعال، وجب أن يكون قائما بنفسه، فإن وجب ذلك، وجب أن يكون حاملا للأعراض.
يقال لهم: إذا دل الفعل على أنه جوهر، لأنه لا يفعل فاعل فيما بيننا إلا قائما بنفسه، فلم لا دل على أنه جسم، إذ لا يفعل فاعل فيما بيننا إلا هو جسم. وبالله التوفيق.
الباب الثالث والثلاثون
في الرد على من يقول من اتخاذ الكلمة بجسد المسيح
اختلف النصارى في تفسير اتخاذ الكلمة.
فقال بعضهم: معنى اتخاذ الكلمة بجسد المسيح: أن الكلمة حلت جسده.
ومنهم من قال: معناه أن القديم والجديد صار شيئا واحدا.
ومنهم من قال: معناه أن مشئئتها صارت واحدة، ومرادها واحد.
ومنهم من قال: إن الكلمة حلت في مريم حلول الممازجة، كما يحل الماء في اللبن حلول الممازجة، والمخلطة.
مخ ۲۲