في الرد على من قال من النصارى: إن الله جوهر - تعالى الله عن ذلك أجمعت النصارى، على القول: بأن الله تبارك وتعالى جوهر، وأنه تعالى له ثلاثة أقانيم: الأب وهو العالم، والابن وهو العلم، والروح، وهو بين الحياة والقدرة. وهي الحياة أيضا، وهذه أقانيم هي خواص الجوهر. كما تقول: شمس. ثم تقول: قرص وضوء وشعاع.
ويقال للنصارى في قولهم : إن البارئ جوهر، لم قلتم ذلك؟
فإن قالوا:من قبل أن الأشئاء لا تخلو فيما بيننا: أن تكون عرضا أو جوهرا فلما فسد أن يكون البارئ عرضا، إذ العرض لا يتأتى منه الفعل، ولا يصح منه تدبير. إنه جوهر، غير قابل للأعراض.
فإن قالوا: الدليل على أن الله جوهر: أن الأشئاء على ضربين. فمنها شئ قائم بنفسه، ومنها قائم بغيره، وهي الأعراض، صح أنه تعالى جوهر.
الجواب - يقال لهم: ما الفضل بينكم وبين من عارضكم، فقال: وجدت الأشئاء ضربين: فمنها شئ يحتمل الأعراض، ومنها ما هو قائم بغيره، والقائم بغيره عرض، والعرض لا يفعل شيئا، فلما أن كان الفعل ظاهرا، صح أن البارئ قائم بنفسه، محتمل للأعراض، بمثل ما أوجبتم أنه جوهر، وهذا مالا فضل فيه، حتى يلج الجمل في سم الخياط.
وأما قول من قال منهم: إن الجوهر على ضربين: خسيس وشريف، فالخسيس: هو القابل للأعراض. والشريف لا يقبل الأعراض، وهو البارئ.
قيل لهم: ما الفضل بينكم وبين من قال: الأجسام على ضربين: خسيس وشريف. فالخسيس: هو الطويل العريض العميق، القابل للطول والعرض والعمق، وهو الذي نشاهده والشريف: هو الذي لا يقبل الطول والعرض والعمق. وهو البارئ - تعالى الله عن ذلك.
فإن قالوا: قد شاهدنا الجوهر، لا يقبل الأعراض، وهو السماء.
قيل لهم: ما الفرق بينكم وبين من قال: قد شاهدت جسما لا يقبل الطول والعرض والعمق. وهو السماء.
ومن أعقل منهم أن الملائكة جواهر، فهم لا يقبلون الأعراض.
قيل لهم: والملائكة أجسام لا يقبلون الطول والعرض والعمق. فقل: إن البارئ جسم، وهو لا يقبل الأعراض.
مخ ۲۱