من المجوس وهم الماتوتية زعمت الماتوتية أن الأشئاء من أصلين قديمين: أحدهما: نور، والآخر ظلمة، وأن النور خير يفعل الخير، والظلمة شر يفعل الشر، فما كما من الخير فهو من النور، وما كان من الشر فهو من الظلمة، وأنهما لا يزالا حيين حساسين دراكين سميعين بصيرين، وهما مع ذلك مختلفان، في النفس والصور، متضادان في الفعل والتدبير، ولم يزالا متباينين متحادين، يحادان الشمس والظل، ثم امتزجا بعد ذلك، فقال بعضهم لأبي الهذيل: أخبرنا عن النور، أليس قد كان مباينا للظلمة؟
قال: نعم.
قال: فما مجيئه إليها بعد المباينة، أداء إلى أنسه زمستراحه؟ أم إلى ضده وعدوه؟
قال: إلى ضده وعدوه.
قال: فإن كان جاء إلى عدوه طوعا، فهو شرير أحمق، وإن كان جاء إليه قسرا فهو ضعيف عاجز، فرجع الماتي عند ذلك وأسلم.
قال الشئخ أبو الحسن البسياني - في الرد عليهم - : إنه لا يخلو أن يكونا متباينين؛ أو متمازجين، وأيهما كان، فقد صح، وثبت لهما الحدث والحد والنهاية.
وقد دللنا أن الأجسام محدثة، وقد صح أنهما جسمان. وقد ثبت أنهما محدثان، والمحدث مصنوع، وله صانع ووجه آخر؛ أم لا يخلو من أن يكونا متباينين، لم يصح امتزاجهما أبدا، لأن أحدهما نور، والآخر ظلمة، فهما ضدان لا يزدادان إلا تباعدا.
وإن كانا متباينين، على ما قالوا، ثم امتزجا، لم يخل أن يكون التباين هو هما، أو غيرهما، وكذلك الامتزاج فقد ثبت أصل ثالث، وفسد قولهم.
وإن قالوا: التباين والإمتزاج غيرهما، وقد ثبت أصل ثالث.
قيل لهم: فقد تغير التباين والامتزاج، واذا تغير فهو محدث فهما محدثان، والقديم لا يتغير كالمحدث، وقد أكذبهم الله بقوله: { الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } نقض لقولهم: إن النور يفعل الخير، والظلمة تفعل الشر.
يقال لهم: فما قولكم فيمن يقول: أنا طلام من القائل: أنا ظلام الظلام القائل: أنا ظلام أم المور؟
مخ ۱۹