قيل له هذا فاسد، من قبل أن كل متماثلين، لا يكون أحدهما موصوفا بالقدرة على صاحبه، أولى من أن يكون الآخر موصوفا بالقدرة عليه، إذ المثلية بينهما حاصلة. والمكافأة بينهما واقعة، ألا ترون أنهما إذا تكامآ في الحدث، بأن يكون كل واحد منهما هو الراهب في الجهات الست، لا يمكن أحدهما أن تكون جهاتهسبعا ولا خمسا، فلا يجوز أن يكون موصوفا بالقدرة على الآخر؛ إذ العلة مشتملة عليها.
دليله: أنه لو جاز أن يكون بعض المحدثات أحدث بعضها بعضا، لجاز أن تكون الكتابة أحدثت كاتبا، والصناعة أحدثت صانعا مثلها، وهذا فاسد في العقول جدا.
دليل آخر: وهو لو جاز أن يحدث بعضها بعضا، لتم مراد أحد المحدثين في الآخر، ولا ينبغي أن يتعذر عليه، ووجدنا الأجسام فيما نشاهده، يتعذر منها وقوع الأجسام، فدل ذلك على أنها لم يحدث بعضها بعضا. وبالله نستعين.
الباب الثلاثون
في الرد على أهل الطبائع
الطبائع: هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فقالوا: باجتماعها صح تركيب العالم. وهذا لا يصح، لأن الحرارة ضد البرودة، والرطوبة ضد اليبوسة، ولا يجوز إجتماع الضدين، في ذات واحدة. كما أن الحركة ضد الكون، والسواد ضد البياض، فلا يجوز إجتماع هذه المتضادات، فبطل ما قالوه: إن باجتماعها تركيب العالم؛ لأن الطبائع محتاجة إلى المكان، وليست بقائمة بأنفسها، وفي وجودنا لها محتاجة إلى المكان، غير مستطيعة على القيام بنفسها على حدثها، إذ حقيقة القديم: استغناؤه عن المكان والزمان. والله تعالى أعلم. وبه التوفيق.
الباب الحادي والثلاثون
في الرد على من قال بالظلمات والنور
مخ ۱۸