اعلم أنه قد قالت العلماء: إن الوقت هو كل حدث كان معلوما حال حدوثه، فمتى علق به ما يجهل حال حدوثه، قيل: إنه وقت له.
وكذلك كان الوقت والمؤقت جميعا حادثين. ولذلك لا يصح التوقيت بالقديم تعالى الله عز وجل، وإنما يصح بالحادث، أو ما يجري مجراه من حكم متحدد، من عدم، أو وجود.
وكذلك يصح أن تقول: إن زبدا يقدم، إذا طلعت الشمس، ويقول الآخر: إن الشمس تطلع إذا قدم زبد فيصح أن يجعل كل واحد منهما وقتا للآخر، بحسب حال المخاطب ومعرفته بأحدهما دون الآخر فلا يعتبر في كون الشئ وقتا، إلا بأن يكون حادثا فقط، ويعتبر في حسن جعلك له بالمخاطبة، بأن يكون عالما. وأن يكون جالهلا بالوقت، وكيفية حدوثه، فلا يجوز أن يختص بذلك الليل والنهار، وحركات الفلك. بل يجب في كل ذلك وسائر الحوادث: أن يكون وقتا. لكن حركات الفلك لما كانت أظهر، والعلم بها أشهر، غلب على الناس التوقيت بها. وإلا فحال غيرها كحالها، على ما قدمنا.
الباب االخامس والعشرون
في الهواء والاختلاف فيه
والدليل على حدثه
والرد على الهوائية
اختلف الناس في الهواء.
فقيل: هو جسم لطيف دقيق، قال أبو الهذيل: هو شئ ليس بجسم، بل هو مكان للأجسام. ولو كان جسما لاحتاج إلى مكان وكان ذلك لا يتناهى.
وقيل: إن الهواء ليس بشئ، والصحيح ما قيل: إنه جسم دقيق وهو يبين بالتحريك ومتى حصلت فيه الحركة شائعة، وصف بأنه ريح.
وإذا حصل في محاريق الإنسان، وصف بأنه روح، وهو يمتلئ من الزق عند النفخ ، ولو كان غير جسم، لاستحال جميع ما ذكرناه فيه، لأن العرض لا يملأ الظروف، ولو لم يكن الهواء جسما، لوجب على الملائكة والجن أن لا يكونوا أجساما. وقد علمنا أستحالة ما ليس بجسم حيا قادرا بحياة وقدرة.
مسألة: في الدليل على حدثه، والرد على من قال بقدمه من الهوائية، يقال لمن قال بقدمه: أن الهواء كل؟
فإن قال: لا، كذبه كل ذي عقل لما يشاهدون، ويرون بعضه دون بعض.
مخ ۱۳