الرحمن بن عوف، ولما ولد أرسلت أمه لجده تبشّره فأقبل مسرورا وسمّاه محمدا «١»، ولم يكن هذا الاسم شائعا قبل عند العرب، ولكن أراد الله أن يحقّق ما قدره وذكره في الكتب التي جاءت بها الأنبياء كالتوراة والإنجيل، فألهم جدّه أن يسميه بذلك إنفاذا لأمره، وكانت حاضنته أم أيمن بركة الحبشية أمة أبيه عبد الله، وأول من أرضعه ثويبة «٢» أمة عمه أبى لهب.
الرضاع «٣»
وكان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي ليكون أنجب للولد «٤»، وكانوا يقولون: إن المربّى في المدن يكون كليل الذهن فاتر العزيمة، فجاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالا يرضعنهم، فكان الرضيع المحمود من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، واسم زوجها أبو كبشة «٥»، وهو الذي كانت قريش تنسب له الرسول ﷺ حينما يريدون الاستهزاء به فيقولون:
هذا ابن أبي كبشة يكلّم من السماء! ودرّت البركات على أهل ذاك البيت الذين أرضعوه مدة وجوده بينهم «٦» وكانت تربو عن أربع سنوات «٧» .
_________
الحجاج بن يوسف وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته الخيرزان أم الهادي والرشيد فجعلته مسجدا يصلى فيه.
(١) لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله ﷺ إلّا ثلاثة طمع اباؤهم حين سمعوا بذكر محمد ﷺ وبقرب زمانه، وأنه يبعث في الحجاز أن يكون ولدا لهم، وهم محمد بن سفيان بن مجاشع، والثاني محمد بن أحيحة والأخير محمد بن حمران بن ربيعة.
(٢) توفيت سنة سبع، قال ابن منده: واختلف في إسلامها وقال أبو نعيم: لا أعلم أحدا ذكره.
(٣) مرضعاته ثمان: امنة- ثويبة- خولة- أم أيمن- سعدية- وثلاث نسوة من العواتك.
(٤) لينشأ.
(٥) اسمه الحارث بن عبد العزى فأسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه.
(٦) ذكر الواقدي أنهن كن عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يلتمس بها الرضعاء في سنة شهباء (مجدبة) فقدمت على أتان (حمار صغير) لي قمراء (القمراء التي يميل لونها إلى الخضراء) كانت قد أذمت (أبطأت عليهم) ومعي صبي لنا، وشارف لنا والله ما تبضّ (ما ترشح) بقطرة وما كنا ننام ليلتنا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.. فما هو إلّا أن أخذته فجئت به رحلي، فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي ثم نام، وشرب أخوه حتى روي، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك إنها لحافل، فحلب منها ما شرب، وشربت حتى روينا فبتنا بخير ليلة.
(٧) السيرة الحلبية. المؤلف.
1 / 10