فكان يقول له: يا سلمان إن الله يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج من جبال تهامة، علامته أن يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وهذا الحديث كان من أسباب إسلام سلمان. ولما راسل ﵊ ملوك الأرض لم يهن كتابه إلّا كسرى الذي ليس عنده علم من الكتاب، وأما جميع ملوك النصارى كالنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وقيصر ملك الروم، فأكرموا وفادة رسله. ومنهم من امن كالنجاشي، ومنهم من ردّ ردّا لطيفا وكاد يسلم لولا غلبة الملك كقيصر، ومنهم من هادى كالمقوقس ولم يكن ﵇ في قوّة يرهب بها هؤلاء الملوك اللهم ما ذاك إلّا لأنهم يعلمون أن المسيح ﵊ بشّر برسول يأتي من بعده. ووافقت صفات رسولنا ما عندهم فأجابوا بالتي هي أحسن، وأما ما سمع من الهواتف والكهان قبيل زمنه فهو ما لا يدخل تحت حصر.. وليس بعد ما ذكرته لك زيادة لمستكثر. ومع ذلك كله فالأعمال التي جاد الله بها على يديه والأقوال التي أتانا بها أعظم مقوّ لحجته ومؤيد لدعوته. وسيأتي عليك بيان ذلك كله بأجلى بيان فتأمله ترشد هداك الله إلى الصراط السويّ.
بدء الوحي
لما بلغ ﵊ سن الكمال وهي أربعون سنة «١» أرسله الله للعالمين بشيرا ونذيرا ليخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم وكان ذلك في أول فبراير سنة ٦١٠ من الميلاد كما أوضحه المرحوم محمود باشا الفلكي تبيّن بعد دقّة البحث أن ذلك كان في ١٧ رمضان سنة ١٣ قبل الهجرة وذلك يوافق يوليو سنة ٦١٠ وأول ما بدىء به الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح «٢» وذلك لما جرت به عادة الله في خلقه من التدريج في
_________
(١) وفي الفتح: فعلى الصحيح المشهور أنه مولود في ربيع الأول يكون حين أنزل عليه ابن أربعين سنة وستة أشهر، وفي حديث رواه الشيخان والترمذي أنه بعث لأربعين سنة، ومكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه.
(٢) الرؤيا كانت قبل نزول جبريل على النبي ﷺ بالقران وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن النبي ﷺ جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيرا عليه ورفقا به لأن أمر النبوّة عظيم، وعبؤها ثقيل والبشر ضعيف وكان نزول الوحي عليه ﷺ في أحوال مختلفة فمنها النوم ومنها أن ينفث في روعه الكلام ومنها في مثل صلصلة الجرس ومنها أن يمثل له الملك رجلا ومنها أن يتراءى له جبريل في صورته ومنها أن يكلمه الله من وراء حجاب إما في اليقظة كما كان في ليلة الإسراء وإما في النوم فهي ستة أحوال. وفلق الصبح: أي كضبائه وإنارته.
1 / 25