-على كفرهم وشركهم- إذا ركبوا في الفُلْك دَعَوا الله مخلصين له الدين، فلمّا نجّاهم إلى البر عادوا إلى كفرهم. ولذلك كان الملوك ورؤساء الدول أيام الحرب العامة الماضية يذكرون الله، وكانت الكنائس في بلاد الغرب تمتلئ دائمًا بالناس، فلما انتهت الحرب عادوا إلى لهوهم ونسيانهم.
* * *
وإذا كان صاحبك هذا الذي ينكر الله لا يريد أقوالنا وأقوال علمائنا، وكان من هؤلاء الذين استقر في نفوسهم تعظيم الغربيين فلا يعرفون الحق إلا بدمغة الغرب عليه، فإني آتيه برأي عالم غربي معروف هو دوركايم، الذي يرى أن وجود الله بديهية لا تحتاج إلى إثبات، وله في ذلك كتاب مشهور. بديهية مثل بديهية أن الذي هو هو، وأن الجزء أصغر من الكل. كيف تثبت أن الكتاب هو كتاب وليس الكتاب تفاحة مثلًا؟ وأن نصف رغيف أصغر من الرغيف؟ إنها بديهيات يقول بها كل إنسان في كل زمان وكل مكان فلا تحتاج إلى إثبات.
وكذلك وجود الله، عند دوركايم وعند كل عاقل. يقول دوركايم إن فكرة الإله ملازمة لكل إنسان لا يستطيع أن يتخلى عنها، ولكنه يكون أحيانًا صحيح الجسم مكفيّ المَؤونة فينساها، وربما وصل إلى معرفة الإله الحق أو توهّمه في شيء من الأشياء فأفاض عليه فكرة الإله فعبدها. والذي يعبد الصنم أو النار إنما يعبد الإله الذي في فكره والذي توهمه في هذا الصنم أو في هذه النار. وكان بنو حنيفة من العرب، يجمعون التمر ويجعلون منه صنمًا عظيمًا يعبدونه، فأصابهم مرة مجاعة فأكلوه، فهجاهم الشاعر
1 / 20