الفصل الحادي عشر
أصبحت سهير ممدوح حرم الباشا رسميا، وتصدرت بيت زوجها، وأحست بمكانها هذا الجديد وخشيت العيون الرواصد حواليهما، سواء كان ذلك في المنزل أو في خارجه، فأمرها اليوم وهي الزوجة الرسمية التي تصحب الباشا في كل مجتمع غير أمرها في بداية الزواج يوم كانت تتستر عن العلن. لقد كان شعورها يومذاك يغريها بهذه الصلة التي أتاحتها لراشد، فقد كانت تحس أنها عشيقة وليست زوجة، أما اليوم فالوضع مختلف كل الاختلاف، وما دامت هذه الصلة بينهما وبين راشد قد مرت لم تلكها الألسنة فالحمد الله، وأصبح لا بد لها أن ترعى مكانتها الجديدة ومستقبلها.
ولهذا لم تجد بأسا أن تلبي دعوة راشد لزوجها إلى العشاء، ولم تجد بأسا أن توطد صداقتها بخديجة. وبطبيعة الحال وجدت شهيرة في اسم زكريا باشا ذلك الطنين الذي تهواه، فسعت إلى صلتها هذه بسهير تزيدها ثبوتا ورسوخا، وقد وجدت سهير فيها خير صديق؛ فهي تماما التي تصلح لصداقتها، فإن تكن الثقافة والقراءة والاطلاع قد أفسدت عقل خديجة وجعلتها في جلوسها إلى السيدات تبدو غريبة، وإن بذلت غاية الجهد أن تبدو موائمة مع الجلسة؛ فإن شهيرة سيدة كما يجب أن تكون السيدات التي تحبهن سهير؛ حكايات الآخرين والتعليقات الخبيثة أحيانا والفاجرة أحيانا أخرى والذكية الطريفة غالبا.
كان أقصى أمل تسعى إليه سهير أن تأتي لزوجها الشيخ بمولود، وقد سألت الأطباء فوجدت أن ما تحلم به أمر يمكن الحدوث.
وهكذا ازدادت صلتها بشهيرة توطدا، فهي رفيقتها إلى كل المظان التي يمكن أن تحقق أملها، وحذار أن توحي إليك هذه الجملة بتفكير غير شريف؛ فهي فعلا تريد مولودا لزكريا على أن يكون زكريا أبوه، فهذه المظان هي الأطباء غالبا، وفي أحيان قليلة تكون هذه المظان بيوت الله؛ تتلمس البركة عند المشايخ الأطهار وآل البيت. وفي مرة واحدة صحبتها شهيرة إلى أحد السحرة ولم تكررها؛ فقد خشيتا أن يغضب الباشا إذا علم.
وكان حمق شهيرة سببا رائعا لتكون زيارتها للأطباء طبيعية، وكانت صداقتها لسهير تجعل رفقتها بهذه الطبيعة نفسها.
وقد دلت بعض دلائل لا تكفي للتأكد أن أمل سهير وشيك التحقيق. •••
كانت راوية تريد أن تقصد إلى سهير مباشرة ولكنها لا تعرفها، وقد خشيت من لقاء خشن ستكون سهير معذورة فيه بعد الذي فعله عدلي مع أبيه.
ولم تفكر راوية كثيرا وإنما قصدت إلى خديجة؛ فهي تعرف حسن مدخلها للأمور وذكاءها وحكمتها عند التقدير. - مطلب غريب سأطلبه منك. - على كل حال أنا لست غريبة، وتستطيعين أن تطلبي مني ما تشائين بلا استثناء. - حتى ولو كان مطلبا شاذا؟ - إن لم تقصدي صديقتك المخلصة بالمطلب الشاذ فمن تقصدين؟ - أريد أن أصلح ما بين عدلي وزكريا باشا. - أرى مطلبك حكيما وعاقلا ، بل ورائعا أيضا. - أنت تعرفين أن عدلي انغمس في القمار، وقد فشلت معه كل وسائلي، ويخيل إلي أن شعوره بغضب أبيه عليه هو الذي يجعله يندفع هذا الاندفاع. - اسمعي، إن تفكيرك كله صائب، ولكن لي رأيا. - قولي. - أنا سأسافر غدا إلى الحجاز مع الباشا لنحج، ولن يتاح لي أن أقابل زكريا باشا إلا بعد عودتي، ولكن لي رأيا. - وما هو؟ - ما سبب خلاف عدلي مع الباشا؟ - زواج الباشا. - سأترك الحقائب وأنزل معك الآن إلى سهير أعرفك بها، وسترين أنها تستحق كل خير. - أتظنين ذلك؟ - هلمي بنا. •••
كانت سهير جالسة مع شهيرة، وأصبحت كل دقيقة تمر على سهير دون أن يحدث جديد فيها يدنيها من أملها، وكانت السيدتان تتوقعان أي زيارة إلا أن تكون راوية.
ناپیژندل شوی مخ