وأرى أن أشد الرؤساء حزما في أتينا بعد القدماء إنما هم «نكياس وتوكوتيدوس وثيرامينيس»، فأما نكياس وتوكوتيدوس فيكاد يجمع الناس على أنهما لم يكونا رئيسين شريفين فحسب، بل كانا حازمين مستمسكين بما ترك الأولون لهما من سنة وعلى أنهما قد استحقا ثناء المدينة.
وأما ثيرامينيس، فيختلف الناس فيه؛ لأنه عاش في عصور ملؤها الاضطراب، ومع ذلك فيظهر بعد الامتحان الدقيق أن ثيرامينيس لم يهدم كل النظم كما يصمه بذلك خصومه ظلما، بل أيدها كلها حين لم يكن يأتي ما يخالف القانون، مظهرا بذلك أنه يستطيع كما يجب على كل وطني مخلص أن يخدمها جميعا، فإذا اقترفت مخالفة القانون فلم تكن تلقى منه الطاعة والرضى، بل المعصية والعداء.
الفصل التاسع والعشرون
عصر الأربعمائة
سقوط الديموقراطية - جماعة السلامة العامة - الخمسة آلاف. ***
احتفظ الأتينيون بالنظام الديموقراطي ما كانت الحرب سجالا، فلما كان الفشل في صقلية ورجحت كفة أهل سبارتا بمحالفتهم الملك الأعظم اضطر الأتينيون إلى هدم الديموقراطية وإقامة حكومة الأربعمائة، عرض ذلك بوثودوروس بن أبيزولوس وخطب الناس قبل صدور القرار ميلودوس، ولكن الذي حمل الشعب على تغيير النظام هو اعتقاده أن الملك الأعظم سينحاز إلى أتينا إن أقيمت فيها حكومة الأقلية، وهذا هو قرار بوثودوروس:
ينتخب الشعب عشرين مندوبا غير العشرة الذين هم الآن في العمل، يختارهم بين أعضاء المدينة الذين تجاوزوا سن الأربعين، ويأخذهم بأن يقسموا ليتفقن على السعي إلى سلامة المدينة وليكتبن النظام السياسي الذي يرونه أقوم وأدنى إلى المنفعة، ولكل عضو من أعضاء المدينة أن يقدم اقتراحاته مكتوبة حتى يستطيع المندوبون أن يضعوا أصلح نظام ممكن.
وأضاف كليتوفون وأقره الشعب أن سيكون الأمر كما عرض بوثودوروس، ولكن على المندوبين أن يبحثوا عما شرع كليستينيس لأجدادنا من القوانين حين وضع نظام الديموقراطية، وأن يدرسوها حتى إذا تناقشوا فيما يضعون من نظام ألهمتهم هذه القوانين وأعانتهم على أن يقرروا ما هو خير في كل شيء؛ وذلك لأنه كان يفكر أن نظام كليستينيس لم يكن ديموقراطيا خالصا، وإنما كان أقرب إلى نظام سولون.
فقرر المندوبون أول الأمر أن على أعضاء البروتانيون أن يعرضوا كل اقتراح أريدت به سلامة الشعب، وأن يأخذوا الرأي فيه، ثم ألغوا كل اتهام بمخالفة القانون أو بالخيانة العظمى وكل دعوة أمام القضاة ليستطيع كل الأتينيين المخلصين أن يشتركوا في المناقشة، فأي الناس قضى على خطيب بالغرامة أو دعاه أمام القضاة أو حمله على أن يمثل بين أيديهم فهو متهم اتهاما موجزا فمقبوض عليه فمسوق إلى الاستراتيجوس الذي يدفعه إلى الأحد عشر ليقتلوه.
فلما اتخذوا كل هذه الأنواع من الحيطة أقروا ما يأتي من النظام: حظروا أن ينفق شيء من دخل الدولة في غير الحرب، وحظروا أن يتقاضى عمال الدولة أجرا على أعمالهم ما دامت الحرب إلا التسعة الذين يشغلون منصب الأركون، وإلا الذين يتتابعون على رئاسة البروتانيون، وهؤلاء يتقاضى كل واحد منهم ثلاثة فلوس عن كل يوم، فأما الحقوق السياسية فيستمتع بها أقدر الأتينيين على أن يخدم الدولة بشخصه أو بماله، ولا يجوز أن ينقص عددهم عن خمسة آلاف ما دامت الحرب على الأقل.
ناپیژندل شوی مخ