مقدمة
الجزء الأول
1 - القضاء على أسرة الكميون أبيمينيديس
2 - النظام الاجتماعي في أتينا
3 - النظام السياسي
4 - عصر دراكون
5 - عصر سولون
6 - سولون (1)
7 - سولون (2)
8 - سولون (3)
ناپیژندل شوی مخ
9 - سولون (4)
10 - سولون (5)
11 - سولون (6)
12 - سولون (7)
13 - حال الأحزاب بعد سولون
14 - عصر بيزيستراتوس
15 - بيزيستراتوس (1)
16 - بيزيستراتوس (2)
17 - بيزيستراتوس (3)
18 - البيزيستراتيون (4)
ناپیژندل شوی مخ
19 - البيزيستراتيون (5)
20 - حال الأحزاب بعد طرد الطغاة
21 - عصر كليستينيس
22 - كليستينيس
23 - عصر الأريوس باجوس
24 - الأريوس باجوس
25 - عصر أفيالتيس وبيركليس وسقوط الأريوس باجوس
26 - أفيالتيس وبيركليس
27 - بيركليس
28 - أتينا بعد بيركليس
ناپیژندل شوی مخ
29 - عصر الأربعمائة
30 - الأربعمائة (1)
31 - الأربعمائة (2)
32 - الأربعمائة (3)
33 - العصر التاسع
34 - العصر العاشر
35 - الثلاثون (1)
36 - الثلاثون (2)
37 - الثلاثون (3)
38 - الثلاثون (4)
ناپیژندل شوی مخ
39 - العصر الحادي عشر
40 - إعادة الديموقراطية - أتينا بعد التأمين - أركينوس - حكمة الأتينيين
41 - ملخص
الجزء الثاني
42 - حق العضوية في المدينة
43 - المناصب
44 - مجلس الشوري (1)
45 - مجلس الشورى (2)
46 - مجلس الشورى (3)
47 - مجلس الشورى (4)
ناپیژندل شوی مخ
48 - مجلس الشورى (5)
49 - مجلس الشورى (6)
50 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (1)
51 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (2)
52 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (3)
53 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (4)
54 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (5)
55 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (6)
56 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (1)
57 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (2)
ناپیژندل شوی مخ
58 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (3)
59 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (4)
60 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع
61 - المناصب التي تنال بالانتخاب
62 - المناصب
63 - المحاكم
64 - العمود الحادي والثلاثون من البردي في اللوحة العشرين من الطبعة الفوتوغرافية
65 - العمود الثاني والثلاثون من البردي
66 - العمود الثالث والثلاثون من البردي
67 - العمود الرابع والثلاثون من البردي
ناپیژندل شوی مخ
68 - العمود الخامس والثلاثون من البردي
69 - العمود السادس والثلاثون والعمود السابع والثلاثون من البردي
مقدمة
الجزء الأول
1 - القضاء على أسرة الكميون أبيمينيديس
2 - النظام الاجتماعي في أتينا
3 - النظام السياسي
4 - عصر دراكون
5 - عصر سولون
6 - سولون (1)
ناپیژندل شوی مخ
7 - سولون (2)
8 - سولون (3)
9 - سولون (4)
10 - سولون (5)
11 - سولون (6)
12 - سولون (7)
13 - حال الأحزاب بعد سولون
14 - عصر بيزيستراتوس
15 - بيزيستراتوس (1)
16 - بيزيستراتوس (2)
ناپیژندل شوی مخ
17 - بيزيستراتوس (3)
18 - البيزيستراتيون (4)
19 - البيزيستراتيون (5)
20 - حال الأحزاب بعد طرد الطغاة
21 - عصر كليستينيس
22 - كليستينيس
23 - عصر الأريوس باجوس
24 - الأريوس باجوس
25 - عصر أفيالتيس وبيركليس وسقوط الأريوس باجوس
26 - أفيالتيس وبيركليس
ناپیژندل شوی مخ
27 - بيركليس
28 - أتينا بعد بيركليس
29 - عصر الأربعمائة
30 - الأربعمائة (1)
31 - الأربعمائة (2)
32 - الأربعمائة (3)
33 - العصر التاسع
34 - العصر العاشر
35 - الثلاثون (1)
36 - الثلاثون (2)
ناپیژندل شوی مخ
37 - الثلاثون (3)
38 - الثلاثون (4)
39 - العصر الحادي عشر
40 - إعادة الديموقراطية - أتينا بعد التأمين - أركينوس - حكمة الأتينيين
41 - ملخص
الجزء الثاني
42 - حق العضوية في المدينة
43 - المناصب
44 - مجلس الشوري (1)
45 - مجلس الشورى (2)
ناپیژندل شوی مخ
46 - مجلس الشورى (3)
47 - مجلس الشورى (4)
48 - مجلس الشورى (5)
49 - مجلس الشورى (6)
50 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (1)
51 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (2)
52 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (3)
53 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (4)
54 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (5)
55 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (6)
ناپیژندل شوی مخ
56 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (1)
57 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (2)
58 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (3)
59 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (4)
60 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع
61 - المناصب التي تنال بالانتخاب
62 - المناصب
63 - المحاكم
64 - العمود الحادي والثلاثون من البردي في اللوحة العشرين من الطبعة الفوتوغرافية
65 - العمود الثاني والثلاثون من البردي
ناپیژندل شوی مخ
66 - العمود الثالث والثلاثون من البردي
67 - العمود الرابع والثلاثون من البردي
68 - العمود الخامس والثلاثون من البردي
69 - العمود السادس والثلاثون والعمود السابع والثلاثون من البردي
نظام الأتينيين
نظام الأتينيين
تأليف
أرسطوطاليس
ترجمة
طه حسين
ناپیژندل شوی مخ
مقدمة
عرفت هذا الكتاب الذي أقدمه اليوم إلى قراء العربية بطريق المصادفة في باريس.
أحالنا عليه أحد أساتذتنا في السوربون، فلما رجعت إليه عرفت أنه استكشف في مصر سنة إحدى وتسعين وثمانمائة وألف، ثم نقل إلى المتحف البريطاني في لوندرا، ثم نشرت صورته الفوتوغرافية، ثم طبع في لوندرا وباريس وبرلين وغيرها من مدن أوروبا، ثم نقل إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها من اللغات الحديثة، ثم نقد وفسر في جميع هذه اللغات، ثم درس في جامعات أوروبا، ثم انتفع به مؤرخو الأوربيين فأصلحوا ما كان في تاريخ أتينا من خطأ وأكملوا ما كان فيه من نقص، ثم مضت على ذلك ثلاثون سنة والمصريون لا يعلمون من أمره شيئا.
وإذ كنت أدرس تاريخ اليونان في الجامعة وكنت قد أخذت نفسي بأن أفسر للطلاب من حين إلى حين بعض الأصول التاريخية القديمة ليتعودوا قراءة كتب التاريخ ونقدها والاستفادة منها، فقد اخترت لهم في هذه السنة هذا الكتاب.
ولكني لا أبدأ هذا الدرس حتى يملكني الخجل أن أفسر كتابا استكشف في مصر فأقرأ ترجمته الفرنسية أو الإنجليزية؛ لأن قراءة الأصل اليوناني غير ميسورة ولا نافعة؛ إذ ليس من طلبة الجامعة من ألم بهذه اللغة .
فما لي لا أفسر لهم ترجمته العربية إذا كان الشقاء قد قضى علينا أن لا نعنى باللغات القديمة ولا نحفل بدرسها، أستطيع أن أترجم هذا الكتاب إلى العربية وأنا مدين لمصر بهذه الترجمة؛ لأني لم أتعلم لأنتفع وحدي بما تعلمت؛ ولأن من الحق على كل مصري أن يبذل ما يملك من قوة لإصلاح ما أصاب مصر من فساد، فما هي إلا أن فكرت في ذلك حتى أخذت في الترجمة، وما هي إلا أن أخذت في الترجمة حتى أتممتها وأنا أقدمها الآن إلى القراء.
مؤلف هذا الكتاب هو أرسطاطاليس، وقد كان العرب لا يعرفون من أمر هذا الرجل إلا أنه المعلم الأول زعيم فلاسفة اليونان ورئيسهم، وأن فلسفته قد نقلت إلى العربية في عصر العباسيين فأثرت في العقل العربي تأثيرا عظيما، بل خلقت هذا العقل خلقا جديدا وأنجبت من الفلاسفة أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم من الفلاسفة الذين يزدان بهم تاريخ المسلمين.
فأما سياسة الرجل وآراؤه في المدينة وما ينالها من استحالة وانتقال وما يختلف عليها من النظم المختلفة ومن صور الحكم المتباينة بين ملكية وأرستوقراطية وديموقراطية، فقد كان العرب يجهلون ذلك جهلا تاما أو كانوا لا يلمون به إلا إلماما قليل الغناء.
وكذلك كان العرب وغيرهم من أهل أوروبا في القرون الوسطى لا يعجبون بأرسطاطاليس إلا من حيث إنه فيلسوف قد درس أقسام الفلسفة فأتقن درسها، وجدد في كل قسم منها مذهبا جديدا أصبح هو المذهب الذي يذعن له أكثر الفلاسفة على اختلاف العصور والبيئات من غير أن يحاولوا نقده أو التغيير فيه.
ثم استكشف في العصر الحديث كتاب السياسة، فعرف المحدثون من أرسطاطاليس رجلا آخر لم يكن يعرفه أهل القرون الوسطى، رجلا قد حاول درس الظواهر الاجتماعية بنفس الطريقة التي أراد أن يدرس بها الظواهر الطبيعية، والتي أراد أن يدرس بها الظواهر النفسية، والتي أراد أن يدرس بها ما بعد الطبيعة.
ناپیژندل شوی مخ
ثم قرأ المحدثون آثاره الأدبية وما كتب عن الشعر وفنونه وعن البلاغة وضروبها وعن الخطابة وأنواعها ، فاستكشفوا منه رجلا آخر جمع إلى إتقان البحث الفلسفي والسياسي والخلقي إتقان النقد الأدبي.
ولم يكتف أدباء القرن السابع عشر بإكبار هذا الأديب الناقد والإعجاب به، بل اتخذوا ما وضع من أصول النقد البياني ومن القواعد الفنية في الشعر وضروبه وفي الخطابة وفنونها أصولا لهم زعموا أن ليس إلى تعدي حدودها من سبيل.
ثم لم يلبث البحث أن أظهر من آثار أرسطاطاليس شيئا جديدا هي كتبه التاريخية التي ضاع أكثرها، ولم يبق لنا منها إلا الشيء القليل، فعرفنا من أرسطاطاليس الفيلسوف الخلقي السياسي الأديب، عرفنا منه مؤرخا ليس كغيره من المؤرخين.
ولو أن هنالك فرعا من فروع العلم أو ضربا من ضروب الأدب الذي عرفه القدماء غير ما قدمنا لكان من الجائز أن ننتظر أن يرشدنا البحث والتنقيب يوما من الأيام إلى مقدرة جديدة لأرسطاطاليس أو إلى ناحية جديدة من نواحيه لم نكن نعرفها من قبل.
ومن يدري؟ لعلنا نعلم في يوم من الأيام أن الرجل قد حاول التصوير أو النقش أو نحت التماثيل، فلسنا نشك في أنه قد أراد أن يعلم كل شيء، وأن يتقن كل شيء، وأن يكتب في كل شيء، وأنه قد ظفر من هذا كله بأكثر ما كان يريد، فمن الحسن أن ننتهز فرصة نشر كتاب من كتبه وإن كان ضئيلا صغير الحجم لنفصل حياته بعض التفصيل، فإن في الإلمام بها إلماما بشيء غير قليل من حياة اليونان في القرن الرابع قبل المسيح.
كان القرن الرابع قبل المسيح عصر تحول وانتقال للأمة اليونانية خاصة وللأمم التي كانت تسكن حول البحر الأبيض عامة، فبينما كانت القوة السياسية في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع منقسمة بين اليونان والفرس أخذت في أواخر هذا القرن الرابع تتجزأ وتنتقل، فدالت دولة الفرس وذهب سلطان المدن اليونانية، وأصبح الأمر كله بيد الإسكندر، ثم أخذت دولته تتجزأ من بعده، وأخذ سلطان جديد يظهر قليلا قليلا في إيطاليا وهو سلطان الرومان.
فهذا العصر إذن يمتاز بأنه عصر انحلال سياسي للأمة اليونانية، وبأنه العصر الذي كانت الأمة اليونانية قد وصلت فيه إلى أقصى ما كان يمكن أن تصل إليه من مجد سياسي أو علمي أو فلسفي أو أدبي.
فليس من شك في أن لهذا العصر، عصر الانحلال من جهة والتكون من جهة أخرى أثرا ظاهرا عظيم الخطر في حياة من شهده من الناس، لا سيما إذا كان له قلب ذكي وبصيرة نافذة وطبيعة جيدة قيمة كأرسطاطاليس.
ولد أرسطاطاليس سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قبل المسيح بمستعمرة يونية يقال لها ستاجيرا على ساحل مقدونيا بالقرب من ترافيا.
وكان السلطان اليوناني في ذلك الوقت موضع التنازع بين مدن ثلاث وهي سبارتا وأتينا وطيبة.
ناپیژندل شوی مخ
كانت كل مدينة من هذه المدن تحاول أن تسود على البر والبحر، وأن تكون صاحبة الكلمة في بلاد اليونان، ولكنها كانت في الوقت نفسه قد وصلت من الضعف والانحلال إلى حيث تعجز عن أن تبلغ ما تريد بفضل قوتها الخاصة، فلم يكن موضوع التنافس بينها سيادة حربية قبل كل شيء، وإنما كانت كل واحدة منها تسعى إلى أن تسود بواسطة الحلف بينها وبين الملك الأعظم ملك الفرس.
فبعد أن كانت الأمة اليونانية قد أجمعت في أوائل القرن الخامس على نصب الحرب للملك الأعظم ووصلت بهذا الإجماع واتحاد الكلمة إلى قهر الفرس ودحرهم وإلى طردهم من أوروبا واستنقاذ اليونانيين الآسيويين من أيديهم، أصبحت في أوائل القرن الرابع تطلب حلفهم ومعونتهم وتتنافس أيها يسبق إلى الظفر بذلك الحلف وهذه المعونة.
وهذا أحسن دليل على ما كانت الأمة اليونية قد وصلت إليه من الضعف، وعلى أنها كانت قد أدت عملها السياسي وفرغت منه ولم يبق لها إلا أن تترك مكانها لمن يحسن القيام بهذا العمل ويجيد تدبير هذا السلطان.
على أن الدولة الفارسية التي كان يتنافس اليونان في إرضائها وكسب معونتها لم تكن أحسن حالا ولا أشد قوة ولا أثبت سلطانا من الأمة اليونانية نفسها، فقد كان الترف ولين العيش قد عمل في إفساد قوتها الحربية، وكان حب المال والرغبة في تحصيله واقتنائه قد عمل في إفساد قوتها الخلقية، فأصبحت في هذا العصر جماعة ليس لها من القوة والسلطان إلا الاسم والشهرة.
وكان كثير من اليونان يعلمون ذلك ولا يشكون فيه لما كان بين الأمتين في هذا الوقت من الصلات المختلفة المستمرة، وكثيرا ما كان يتحدث الأطباء والتراجمة والفلاسفة من اليونان الذي استخدموا في قصر الملك إلى قومهم بعد أن يعودوا إليهم بأن قوة الملك الأعظم إنما تتألف من الرقيق والطهاة ومن إليهم من أعوان الترف واللهو.
بينما كان هذا الضعف العام يحل قوة اليونان من جهة وقوة الفرس من جهة أخرى، كانت هناك دولة ثالثة ظلت في أول الأمر ضعيفة معتزلة كل الأعمال السياسية، ولكنها أخذت في هذا العصر تقوى وتشتد شيئا فشيئا وتبسط سلطانها قليلا قليلا على ما كان يجاورها من البلاد وهي دولة المقدونيين.
كانت هذه الدولة تجاور اليونان من بعض جهاتها والبرابرة من بعضها الآخر، وكانت تزعم أنها يونانية وينكر عليها اليونان ذلك، ولكنها في الحق كانت قد جمعت بين رقة اليونان ولطفهم وألوان حضارتهم وبين قوة البرابرة وشدة بأسهم وصبرهم على المكروه، وكان أبو أرسطاطاليس نيكوماكوس طبيبا لملكهم أمانناس الثالث.
فقد نشأ إذن هذا الغلام نشأة خاصة أثرت فيها هذه القوة الناشئة التي كان يشهدها في عاصمة المقدونيين، وأثر فيه ما كان يشهد من ضعف اليونان وفساد أمرهم، وأثر فيه من وجه خاص ما كان يزاول أبوه من صناعة الطب التي كانت في ذلك الوقت أقرب الفنون إلى الفلسفة وأشدها بها اتصالا.
لسنا نعرف كيف نشأ أرسطاطاليس، ولا كيف تعلم في أثناء طفولته، ولكنا لا نشك في أن هذه المؤثرات المختلفة قد كونت عقله تكوينا خاصا فمنحته من مزايا اليونان قوة الفهم وشدة الذكاء وحب الاستطلاع والقدرة على رد الأشياء إلى أصولها، ومنحته من خصال البرابرة الذين كانوا يجاورون مقدونيا في ذلك الوقت، بل من خصال المقدونيين أنفسهم؛ الميل إلى التحقيق؛ أي إلى حب الواقع المحس الذي ليس فيه شك، وبعبارة واضحة جعلته وضعيا.
وسنرى أثر هذا كله في حياته الفلسفية، فإن الرجل كان قليل الحظ جدا من الخيال، وكان هذا هو الذي باعد ما بينه وبين أستاذه أفلاطون.
ناپیژندل شوی مخ
انتقل أرسطاطاليس من مقدونيا إلى أتينا حين بلغ السابعة عشرة ليتم درسه، وكانت أتينا في ذلك الوقت على ضعفها السياسي وانقباض سلطانها في البر والبحر مدرسة اليونانيين عامة، يحجون إليها من جميع الأقطار اليونانية في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ولم تكن قد أتقنت فنا واحدا من الفنون أو علما واحدا من العلوم، وإنما كانت قد جمعت إليها كل ما كان يسيغه العقل والذوق في ذلك الوقت من علم وفلسفة ومن أدب وفن، وحسبك أنها كانت مدينة الممثلين والمؤرخين والمغنين والخطباء والشعراء والفلاسفة وغيرهم من أساتذة الفنون الأخرى كالنقش والتصوير، وحسبك أنها كانت مدينة سقراط، وأن هذه الفلسفة السقراطية كانت قد انبعثت منها في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع، فانتشرت في جميع أقطار اليونان واصطبغت في كل قطر منها صبغة خاصة، وبقي أصل هذه الفلسفة في أتينا ينمو نموا معقولا منظما بواسطة أفلاطون.
فلم يكن من الغريب أن يسعى كل شاب يستطيع السعي إلى أتينا ليشهد فيها دروس الفلاسفة وليسمع فيها لأساتذة البيان وليحضر فيها تلك الجلسات السياسية التي لم تكن توجد في غيرها من المدن، والتي كان يسمع فيها أشد اليونان فصاحة ولسنا وأقدرهم على تدبير الكلام وتسخيره لما يريد، نريد بها جلسات جماعة الشعب الأتيني.
أضف إلى ذلك هؤلاء الفقهاء الذين كانوا يفسرون القوانين الأتينية المختلفة ويدرسون ما لليونان على اختلاف أجناسهم من رأي في القوانين، ويلقون أمام المحاكم الأتينية من خطب الدفاع ما لا نزال نعجب به إلى الآن، وعلى الجملة فقد كان اليوناني يقصد أتينا كما يقصد الشرقي الآن باريس، إلا أن لباريس خصوما تعدلها وقد تفوقها في بعض ضروب العلم، أما أتينا فلم يكن لها عدل ولا نظير.
كان أرسطاطاليس في ذلك الوقت قد فقد أباه وأصبح ذا ثروة تمكنه من الرحلة والإنفاق بسعة على ما كان يريد تحصيله من العلم، فأقام في أتينا عشرين سنة متصلة منذ سبع وستين إلى سبع وأربعين وثلاثمائة، وكان أشد الناس شهرة علمية في أتينا في هذا العصر رجلان؛ أديب وفيلسوف، فأما الأديب فهو إيسوكراتيس الذي أخذ يدرس ما كان لليونان من فن أدبي، ويستخلص من هذا الدرس أصول البيان اليوناني وقواعد البلاغة، والذي كان قد اشتهر إلى هذا بمهارته الخاصة وإجادته تحبير الخطب وتدبيج فصول الكلام.
فصحبه أرسطاطاليس وسمع له، ولا شك في أن إيسوكراتيس قد أثر في تلميذه تأثيرا خاصا، فسنرى عناية أرسطاطاليس بوضع أصول الشعر والخطابة وتنظيم قواعد البيان.
أما الفيلسوف فهو أفلاطون، وكان غائبا عن أتينا حين وصل إليها أرسطاطاليس، ولكنه لم يلبث أن عاد إليها سنة خمس وستين وثلاثمائة وأخذ يدرس في الأكاديميا، فلزمه أرسطاطاليس وأحسن الاستماع له، ويظهر أنه قد شغف أفلاطون وبهره، فكان أفلاطون يسميه أناجيستيس؛ أي القراء، وكان يسميه أنوس؛ أي العقل.
ومهما يكن من شيء، فقد لزم أرسطاطاليس درس أفلاطون إلى أن مات سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، فلم يستطع أرسطاطاليس أن يقيم فيها بعد أستاذه، فسافر إلى أماكن مختلفة منها أتارنيا وهي مدينة في آسيا الصغرى.
كان لهذه المدينة طاغية يقال له هرمياس، وكان هذا الطاغية صديقا لأرسطاطاليس، يظهر أنهما تعارفا وتحابا في درس أفلاطون، فمكث أرسطاطاليس عند صديقه حينا ثم كأن صديقه حاول الخروج على الملك الأعظم أو أبى أن يؤدي إليه الإتاوة فقتله.
وكان لهذا الطاغية أخت أو ابنة أخت يقال لها بتياس، فتزوجها أرسطاطاليس وارتحل بها من أتارنيا إلى جزيرة متيلين، وقد جزع أرسطاطاليس لفقد صديقه جزعا شديدا فبكاه في شعر تظهر فيه الحسرة وشدة الأسى، ويقال إنه أقام له تمثالا في دلف.
ناپیژندل شوی مخ
في أثناء هذا الوقت الطويل كان ضعف الأمة اليونانية قد أصبح شيئا محققا، وكانت قوة مقدونيا قد اشتدت وعظمت حتى استطاع فيليبوس ملكها أن يقهر الأتينيين وأهل طيبة مرات متعددة، وأن يكره الأمة اليونانية على أن تقبله عضوا من أعضاء الأنفكتيون، وهي جماعة دينية سياسية كانت تقوم على حراسة دلف ومعبد أبولون فيها، بل استطاع فيليبوس أن يكره اليونان على أن يتخذوه قائدا عاما لجيشهم في حرب كان يريد أن يعلنها على الملك الأعظم ملك الفرس، فأصبح منذ ذلك الوقت يونانيا، بل أصبح زعيم اليونان.
في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة كتب فيليبوس إلى أرسطاطاليس يدعوه إليه ليكون مؤدبا لابنه الإسكندر، فسافر أرسطاطاليس إلى مقدونيا وأقام فيها سبع سنين، وليس من شك في أن ما يرويه التاريخ والأساطير من كلف الإسكندر بشعر هوميروس وأبطاله، لا سيما أخيل، إنما هو أثر من آثار أستاذه، ولا شك أيضا في أن أرسطاطاليس قد كون عقل الإسكندر تكوينا فلسفيا قويا، فإن القصص تروي لنا ميلا شديدا من الإسكندر إلى ضروب كثيرة من الفلسفة، ويقال إن أرسطاطاليس قد علم الإسكندر مذهبه الخاص في الفلسفة، وإن الإسكندر كان يحرص على أن يكون أول من يقرأ كتب أستاذه، وقد كان يحفظ الرواة كتبا مختلفة تبودلت بين الإسكندر أثناء غيبته في آسيا وبين أرسطاطاليس، ولكن المحدثين يشكون في صحة ما بقي منها.
هناك أمر لا شك فيه هو أن أرسطاطاليس عاد إلى أتينا سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة حين بدأت غارة اليونان بزعامة الإسكندر على الفرس، وأن الصلة قد استمرت قوية متينة بين التلميذ وأستاذه، فكان الإسكندر يمنح الفيلسوف من المال ما يمكنه من البحث العلمي، وكان يبعث إليه بأنواع مختلفة من الحيوان والنبات؛ وغير ذلك من غرائب الطرف التي كانت تهم باحثا يريد أن يستقصي في بحثه كل شيء كأرسطاطاليس.
على أن هذه الصلة لم تلبث أن انقطعت وفتر ما كان بين الأستاذ وتلميذه سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
كان لأرسطاطاليس ابن أخ أو ابن أخت يقال له كليستنيس، وكان كليستنيس هذا فيلسوفا مؤرخا، بل كان أديبا ذا حظ من الخيال، فصحب الإسكندر في رحلته وكأنه كان الصلة الحية بين الأستاذ والتلميذ، ولكن الإسكندر لم يكد يقهر الفرس ويملك بابل وغيرها من المدن الشرقية المقدسة حتى طغى وتجبر وأسخط من كان حوله من اليونان والمقدونيين لشيئين؛ الأول: أنه نسي أو تناسى ما كان له من مركز الفاتح القاهر وخيل إليه أنه يستطيع أن يجمع بين اليونان والفرس ويكون منهم أمة واحدة أو على أقل تقدير طبقة واحدة حاكمة ليست بالفارسية الخالصة ولا اليونانية الخالصة.
وقد بدأ في ذلك فاقترن إلى روكسان بنت دارا الملك المقهور، وألح على قواده وأفراد جنده أن يفعلوا فعله فيقال إنه شهر في ليلة عرسه عشرة آلاف عرس بين اليونان والفارسيات، ثم لم يكتف بذلك، بل أحسن معاملة الزعماء من الفرس ورد إليهم أموالهم وقربهم منه حتى أشفق اليونان والمقدونيون أن يغلبهم هؤلاء الزعماء على أمرهم. الثاني: أن الإسكندر أراد أن يكون ملكا شرقيا، وسلك إلى ذلك سبل ملوك الشرق من المصريين والفرس، فأراد أن يعبد ويتخذ إلها، ولم يكتف بأن يأخذ الشرقيين وحدهم بهذه العبادة، بل أراد أن يفرضها على اليونان والمقدونيين الذين كانوا قد تعودوا الحرية والأنفة، والذين كانوا يزدرون «ذلة الشرقيين» وتقديسهم لرجال مثلهم.
فلما طلب الإسكندر ذلك إلى اليونان ظنوا أنه يمزح فاستضحكوا، فلما آنسوا منه أنه جاد سخروا منه وهزءوا به، ثم أطاع بعضهم كارها وعصى بعضهم مذكرا هذا الإله الجديد بمولده ونشأته وفضل اليونان والمقدونيين عليه، ومن ذلك الوقت ساءت الصلة بين الإسكندر وأعوانه، فأتمر به بعضهم، وكان من المؤتمرين كليستنيس هذا فقتل، وكان قتله قاطعا للصلة بين الملك والفيلسوف.
نستطيع أن نعد هذا العصر الأخير الذي مكثه أرسطاطاليس في أتينا من سنة خمس وثلاثين إلى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة عصر الإنتاج العلمي، فإن أرسطاطاليس لم يكد يستقر في أتينا حتى بدأ دروسه العلمية والفلسفية والأدبية، واتخذ لهذه الدروس بناء خارج المدينة كان ملعبا رياضيا للأتينيين يسمى لوكايوم «ليسيه»، واتخذ من هذا الملعب موضعا خاصا كان يسمى بيريبانوي؛ أي موضع المشي؛ لأن الأتينيين كانوا يمشون فيه ذاهبين جائين بعد أن يكونوا قد نظروا إلى الطلاب وهم يلعبون.
وكان أرسطاطاليس يمشي في هذا المكان مع تلاميذه متحدثا إليهم بما يريد أن يدرسه معهم، وقد قسم يومه قسمين؛ فأما الصباح فكان يلقي فيه دروسا عامة قليلة التحقيق كثيرة الوضوح يراد بها نشر العلم والفلسفة بين الجمهور الذي لا يريد أن يتخصص ولا أن يتخذهما حرفة، وأما المساء فقد خصصه للدرس الفلسفي العويص وقصره على تلاميذه الذين كانوا يتخصصون للدرس والتحصيل.
وقد انقسمت آثار أرسطاطاليس نفس هذا الانقسام، فقسم منها ألف للعامة وقسم منها ألف للخاصة كما سترى ذلك بعد حين.
ناپیژندل شوی مخ