: حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي رحمه الله ، قال : كان حامد بن العباس من أوسع من رأيناه نفسا ، وأحسنهم مروءة ، وأكثرهم نعمة ، وأشدهم سخاء ، وتفقدا لمروءته . وكان ينصب في داره كل يوم عدة موائد ، ولا يخرج من الدار أحد من الجلة والعامة والحاشية وغيرهم إذا حضر الطعام ، أو يأكل ، حتى غلمان الناس ، فربما نصب في داره في يوم واحد أربعين مائدة . وكان يجري على كل من يجري عليه الخبز لحما ، وكانت جراياته كلها الحواري . فدخل يوما إلى دهليز داره ، فرأى قشر باقلاة ، وأحضر وكيله ، وقال : ويلك يؤكل في داري الباقلا ؟ قال : هذا من فعل البوابين . قال : أوليست لهم جرايات لحم ؟ قال : بلى . قال : فسلبهم عن السبب ، فسألهم ، فقالوا : لا نتهنأ بأكل اللحم دون عيالنا ، فنحن ننفذه إليهم لنأكله معهم ليلا ، ونجوع بالغدوات فنأكل الباقلا ، فأمر حامد أن يجري عليهم جراية لعيالاتهم ، تحمل إلى منازلهم ، وأن يأكلوا جراياتهم في الدهليز ، ففعل ذلك . فلما كان بعد أيام ، رأى باقلاة في الدهليز أيضا ، فاستشاط ، وكان حديدا ، سفيه اللسان ، فشتم وكيله ، وقال : ألم أضعف الجرايات ، فلم في دهليزي قشور الباقلا ؟ فقال : إن الجرايات لما تضاعفت ، جعلوا الأولة لعيالاتهم في كل يوم ، وصاروا يجمعون الثانية عند القصاب ، فإذا خرجوا من النوبة ومضوا نهارا إلى منازلهم ، في نوبة استراجاتهم فيها ، أخذوا ذلك مجتمعا من القصاب فتوسعوا به . فقال : فلتكن الجرايات بحالها ، ولتتخذ مائدة في كل يوم ، تنصب غدوة قبل نصب موائدنا ، يطعم عليها هؤلاء ، ووالله ، لئن وجدت بعدما في دهليزي قشر باقلاة ، لأضربنك وجميعهم بالمقارع . ففعل ذلك ، وكان ما زاد من نفقة الأموال ، وأمرا عظيما . ا
مخ ۱۰