من بين أصوات الطيور الكبيرة، ويبلل الخطاف صدره الأغبر برشاش النهر، وتغرد الدعرة،
28
وهي طائر نيلي كإبيس، محركة ذنبها، فبانسجام الألوان وتوافق الأصوات تحيط هذه الطيور بالجزيرة المنيعة بين الشلالات كأنها تخشى الإنسان أكثر من خشيتها بقر النهر والتمساح وكبار الطير.
وأين نحن؟
تقع مساقط ريبون، وهي منبع النيل، وهي ما يسميه أهل تلك البقعة بالحجارة، في شمال خط الاستواء رأسا، ويبلغ عرضها ثلاثمائة متر، وتندلق بين صخر بكر، وتحف بهذه الصخور شجيرات وأزهار برية نابتة على هضبة جرداء بعد إتلاف البيض للغاب محوا للقاتل من الذباب.
وفي أقصى شمال بحيرة فيكتورية، وبالقرب من جنجا، ينم هدير هائل على هذا المنظر العظيم، وخلف الصخور الغبر التي هي ضرب من الأسداد الطبيعية وبجانب الخليج تمتد البحيرة ذات الجزائر والجزيرات، ومن هنالك يسير النهر، ومن هنالك ينطلق رسول قلب أفريقية حاملا البشائر العجيبة إلى بحر بعيد.
وما كان أحد ليعرف مأتاه، وما بذله الإنسان من جهود في ألوف السنين بحثا عن منبعه، فقد ذهب أدراج الرياح، والناس كانوا يعتقدون أن هذا النهر المحير مدين في قوته إلى أطواد
29
وأنه كالأنهار الأخرى وليد سيول، ومنذ سبعين عاما فقط يرى بعد كشف أن جري النيل يبدأ بشلال عظيم، والنيل - وهو ابن لأعظم بحيرة في أفريقية، وهو يزبد ويزمجر - يبدي سلطانه من يوم حياته الأولى.
وقليل من هذا العباب
ناپیژندل شوی مخ