242

نیل: ژوند يو سيند

النيل: حياة نهر

ژانرونه

إن انتصاره في أم درمان هو الذي أنقذ مرشان، فلولا هذا النصر لقتله الدراويش، ومهما يكن من أمر فقد تم للحكومة الإنكليزية نصر سلمي على الحكومة الفرنسية. وقد أيقنت الحكومة الفرنسية أنها لا تقدر على شيء من غير إنكلترة فعزمت على السير معها فيما بعد، ويتحول مرشان إلى رائد بعد أن تخلى عنه رؤساؤه فيرفض إطاعة الأمر بالذهاب، ويعلن احتياجه إلى العتاد والقوت، ويضع كتشنر ما يحتاج إليه تحت تصرفه، ويعرض عليه باخرته، ويرغب مرشان عن السفر على باخرة خصمه البخيت،

8

ثم عن السفر في القطار الجديد وعن تشييعه بضروب من التكريم الرئائي، وعن العود إلى فرنسة بحرا بعد ذلك، وبذلك يكون مرشان رائدا آخر للنيل رافضا أن يعان، وذلك في مكان غير بعيد من المكان الذي رفض فيه أمين باشا - منذ عشرين عاما - أن ينقذه ستانلي، ويعزم مرشان على شق طريق له من الحبشة، وهكذا يجوب أفريقية من جانب إلى جانب، وهكذا يبدو مرشان مثل دون كيشوت على الرغم منه، وهكذا يظهر العالم مهزأة لهذا الشخص المفجوع. وهكذا رأى رجل، رفع العلم المثلث الألوان على النيل فاضطر إلى طيه بعد انتظار خمسة أشهر على غير جدوى، أن ينقذ الشرف كنظائره في القرون الوسطى، وهو إذا لم ينقذ شرف فرنسة الذي أبصره معرضا لخطر فاضح فقد أنقذ شرف نفسه؛ أي شرف رجل كان من أبناء الطبقة الوسطى وكان جنديا عاديا فصار قائدا؛ أي شرف الفاتح الشقي جان بابتست مرشان دو تواسه.

وتتحالف فرنسة وإنكلترة بعد ست سنوات من تاريخ عودته، وكنتيجة غير مباشرة لغزوته، ويحارب في أثناء الحرب العظمى بجانب الإنكليز، ثم يكون شاهدا بعدئذ على ما بين البلدين من فتور، ويموت في سنة 1934، ويرى قبل موته إمبراطورية فرنسة الاستعمارية الكبرى في غرب أفريقية من غير أن يكون النيل جزءا منها.

الفصل الثالث عشر

كان العلم الذي رفعه كتشنر فوق فاشودة أحمر اللون، كان العلم التركي، والآن يخفق العلم الأخضر الجميل، العلم المصري، فوق جميع السفن والمباني العامة بجانب العلم الإنكليزي، ويدوم الحكم الثنائي منذ ربع قرن، ويمكنه أن يدوم زمنا طويلا على الرغم من اعتراض أضعف الفريقين.

ويعين النيل مصير السودان مرة أخرى، وقد كان الإشراف على النيل في سبيل مصر وتنظيم مجراه الأعلى ذرائع وعوامل تتمسك بها إنكلترة القابضة على زمام مصر - فيما مضى - قبضا مطلقا تقريبا، وقد حالت إنكلترة دون إفلاس هذا البلد لتمسكه إلى الأبد. وهل تترك إنكلترة لغيرها مجرى النهر الأوسط وملتقى النيلين بعد أن ملكت منبعه وفوهته؟ أو تتركهما للسودانيين، لهؤلاء الهمج، الذين كانوا تابعين للمهدي؟ أو تتركهما للمصريين الذين كان للسودان بهم خراب مدة خمس وستين سنة؟ أو تتركهما للفرنسيين؟ إذا وجد من الناس من يمكنهم أن يزعجوا مصر بالنيل من جهة السودان فالإنكليز وحدهم هم أولئك الناس.

وكانت مصر من الضعف ما لا تستطيع معه أن تسترد السودان وتديره، وكانت مصر تفضل - لذلك - أن تدع مكانها للإنكليز على أن تدعه للسودانيين والفرنسيين، وكان لبريطانية العظمى من المصالح البالغة الأهمية ما تدافع به عن مصر الدنيا فلا تقدم على تقويض دعائمها حين الاختلاف، ولو اقتصر الإنكليز - بعد انتصارهم في أم درمان - على رفع علمهم وحده ما استطاع المصريون أن يحولوا دون ذلك، غير أنه كان لمصر من الحلفاء المكتومين ما تعتد إنكلترة بماله ونفوذه في القاهرة. وقد اجتنب احتراب إنكلترة وفرنسة الذي لاح شبحه أيام فاشودة، لا عن ضعف في فرنسة فقط، بل عن عزم إنكلترة - أيضا - على رفع العلم التركي رمزا كما فعل كتشنر فوق زاوية محصنة في الدرجة العاشرة من العرض الشمالي. وقد استفاد المصريون - كشرقيين حقيقيين - من تنازع الدول الغربية، فإذا كان سوء إدارتهم قد أوجب ضياع السودان فإنهم صاروا شركاء في سيادة ذلك البلد الذي أعيد فتحه بمالهم وجنودهم مع قواد من الإنكليز، والذي حفظ بفضل النفوذ الإنكليزي.

واللورد كرومر هو الذي عن له أمر العلمين، واللورد كرومر هو القائل: «لا يؤدي أفول هذا الحكم الثنائي إلى سكب عبرة من قبل مخترعه إذا ما استبدل به حكم أمتن منه.» وإذا كان هذا النظام قد ظل قائما بما يثير حيرة الجميع فلتوزيع الحقوق بين الفريقين توزيعا غير متساو، ويمكن أن يقال: إن هذا قران شرقي تقدم به الزوج مالها وتضع أولادها من غير أن تنال في مقابل ذلك غير حق الحياة؛ أي ماء النيل، وهي مع ذلك زوج شرعية تمر في الأحوال العظيمة تحت أقواس النصر راكبة حصانا بجانب بعلها مغمورة بالحلي محجبة تماما. والسودان هو أول بلد وضع تحت الانتداب في التاريخ، وكان هذا قبل استعمال هذه الكلمة من قبل مؤتمر باريس في سنة 1919 حين أفسد معناها.

وإن الحاكم العام - وإن جميع أكابر الموظفين - في السودان الإنكليزي المصري هم من الإنكليز، ولو حدث أن رفض الملك بالقاهرة تعيين حاكم توصي به الحكومة الإنكليزية لوجد جميع الإمبراطورية البريطانية ضده، ولهذا الحاكم - الذي لا يقدر الملك على عزله - مثل ما كان للمهدي من الحقوق، وذلك لما لا يزال القانون العرفي العسكري معمولا به في السودان، والحاكم هو الذي يقرر جميع المسائل المهمة، وهو الذي يقضي فيها طاغية، وكانت مصر هي التي تقدم الجنود، ولا تزال مصر تقوم بقسط كبير من نفقات الاحتلال (750000 جنيه).

ناپیژندل شوی مخ