218

نیل: ژوند يو سيند

النيل: حياة نهر

ژانرونه

يريد، وإنما الذي كان يوده هو مكافحة النخاسة، وكان للعبد في بلده نصيب العمال الآخرين، فإذا ما نقل إلى مكان آخر لم يكن غير سلعة، غير ثمرة ذات منظر سار أحيانا، ذات عيب خفي حقيقة، غير أداة تسلية وسخرية في دوائر الحريم. ويرى بيكر أن ينظر إلى كرامة الإنسان أكثر مما إلى سعادته، ويكره بيكر بيع الإنسان للإنسان، ويبصر بيكر في القاهرة باشوات سمانا يتنزهون في عربات يحف من حولها سواس لابسون سترا موشاة بالذهب فيخيل إلى الناظر أنه يشاهد ما ينتقل به إلى دور ألف ليلة وليلة. ومما سمعه هنالك ضجيج وشاة ماكرين مصانعين يرون سيدهم آثار إخوانهم الأباق

6

عارفين إياهم من شكل أباهمهم ومن رائحتهم.

ومما اطلع عليه بيكر بعينيه صبيان من الزنوج مستلقون على الرمل مخصيون بمبضع مع صب رصاص على الجروح قطعا لنزفها، وكان بعض الأديار القبطية يعتمد في دخله - قبل كل شيء - على صنع خصيان، والخصاء، وقد يؤدي إلى هلاك الخصي، هو من اختراع المسلمين والنصارى، والخصاء مما كان الزنوج الوثنيون يجهلونه.

وأثبت بيكر - الذي كان صائدا فغدا رائدا - أنه رجل حكومة، فقد جعل ولاية من المنطقة التي كان قد رادها منذ عشر سنوات، بيد أنه كان وحيدا، وكان النوبيون والمصريون الذين هم تحت إمرته يخدعونه، ومما ثبت عنده أن أعلى موظفيه كانوا متواطئين هم والنخاسون الذين كانوا يبدون ذوي سلطان لا يقهر.

ومن أولئك من كانوا ذوي عبقرية، فقد ظهر من النوبيين مغامر اسمه الزبير، وكان الزبير هذا جاهلا فقيرا فصار صاحب مقام عن فساد ورشوة، فأقام دار نخاسة في النيل الأعلى وجمع كتائب للمحافظة عليها، وأنشأ نوعا من القلاع مع عيشه في أكواخ ذات بسط وأدوات فضية، ويحرس مدخل القلعة أسد مقيد للتأثير في زائريه، وما كان ليخشى حكومة القاهرة الضعيفة ولا حاكم الخرطوم الإنكليزي، وإنما كان يخاف الشلك المقاتلين الذين يهاجمونه دوما كما كان يخاف السد الذي يمكنه أن يسد النيل ويقطع طرقه. وكان يستطيع أن يعلن نفسه ملكا، وقد صنع ابنه ذلك فتسمى سليمان، ونادى بنفسه ملكا لبحر الغزال وبور ومكاكا، وكان تاجر الرقيق بالجملة هذا معاهدا سرا لباشوات القاهرة وموظفي الخرطوم، وكل يكره الإنكليزي الذي جاء ليضع عراقيل في الدواليب.

7

وكانت الضغائن تسود جميع ذلك البلد، فكان الزنجي يمقت العربي الذي هو عين عليه فيأخذه غصبا ويبيعه، وكان العربي يمقت التركي ويقول: لا ينبت الكلأ حيث يمر التركي، وكان التركي الذي يود أن تجبى إليه ثمرات كل شيء يمقت الأوروبي لما يبصره من مطامع الأوروبي التي حملت الخديو على فتح أبواب بلده له تأدية لديونه الناشئة عن تبذيره. وكان الوثني يمقت المسلم الذي أباح النبي له استعباد الكافرين، وكان المسلم يمقت النصراني الذي حظر عليه نبيه تعدد الزوجات. وكانت هذه البغضاء العامة تتدرج من الأسود إلى الأسمر، ومن الأسمر إلى الزيتي وإلى الأبيض، ولا عكس. وكان الأبيض يشعر بعاطفة نحو السود، وهو في ذلك كالرجل الذكي الذي يفضل الأولاد على أنصاف العلماء.

كان بيكر وحيدا فوق هذا البركان كدعاة السلم في أيامنا، وأفنى هنالك أربع سنوات من حياته وعاد إلى بلده صاحيا عادا من المعجزات عودته من رحلته صحيحا سالما.

وتمضي عشر سنين، وتحتفل «جمعية مكافحة الرق الأجنبية» في لندن بعيدها الذهبي، ويدعى بيكر إلى أن يكون ضيف الشرف، ويرفض ذلك بما يندر صدوره عنه من غلظة فيقول في جوابه: «لا أجد ما يسوغ الاحتفال بهذا العيد الخمسيني في إنكلترة مع مزيج ممقوت بغيض من الرئاء والدناءة.»

ناپیژندل شوی مخ