وورد في تقرير قدم إلى الحكومة الفرنسية أن تجارة الرقيق في أديس أبيبا تتم على مرأى من السفراء الأوروبيين، ويضيف التقرير إلى ذلك من دون سخرية أن نخاسين شنقا، ويذكر كاتبان إنكليزيان مؤخرا أن الوضع زاد سوءا بالفتن الأهلية بعد موت منليك، ويقدران عدد العبيد هنالك بخمسة ملايين. وتمضي عشر سنين فيرى أحد هذين الكاتبين أن مديريات تحولت إلى خراب يباب
1
بعد ازدهار لبيع أهليها، وأنه أقام بأديس أبيبا فأخذ النجاشي في أثناء إقامته بها هدية مؤلفة «من 140 فتى وفتاة تترجح أعمارهم بيت ست سنوات وأربع عشرة سنة، ومن نساء كثير يرضعن طفلا.»
والسنون تمضي، ولا يبدي بلد حراكا، ونيوزيلندة وحدها - وهي قطر صغير - هي التي تحاول إنقاذ الشرف بما تصدره من احتجاجات شديدة. ويحمل نصف الشعب على اتخاذ وضع عبيد مصر الفرعونية، فيركع أو يسجد إذا ما أعطي شيئا ويشرب بباطن اليد (لحظر استعمال الطاسات عليه)، وهو يشد بالوثاق إذا حاول الفرار، وفي السفر يقدم سليل سليمان؛ أي مسيح الرب، عبيد حاملون مشاعل، أو يستمع إلى جوقة من الخصيان، وتكتب لجنة جمعية الأمم تقارير، وترى أن على الإكليروس أن يوجدوا جوا ملائما، وأن على رجال الدين أن يكونوا أول من يحررون عبيدهم، وتبحث تلك اللجنة عن حق السفن الحربية في تفتيش السفن المشتبه فيها، وتنكر حقها في الجواب مع إعرابها عن رجائها الحار في درس هذه المسألة العويصة.
وتثبت هذه الأساليب للحكومة الحبشية حاصل ما يبديه البيض النصارى من نشاط في الأمر، وتتلهى الحكومة الحبشية في إصدار مراسيم تنص على مجازاة كل من يبيع عبدا أو يهبه بمثل ما يجازى به تاجر الرقيق، ولا أحد يعاقب النخاس، ويقدم مفوض حبشي إلى جمعية الأمم بجنيف وثيقة تشتمل على تحرير 298 من العبيد في أثناء السنة، وأما ملايين العبيد الخمسة فقد ظلوا أرقاء!
وتوارت أسواق العبيد مع ذلك، وعاد لا يدفع نقد ثمنا لهم، وإنما يشرون ببنادق وقذائف، وينتفع في الخارج بما يوجه من اعتراض تقليدي فيقال: إن هم التفكير في مستقبل هؤلاء الناس هو الذي يحول دون تحريرهم، وإن الحركة الزراعية تقف في جميع البلد كما وقع في كوبا وهايتي، وإن المجاعة تعم كما وقع في أرترية عندما حررت إيطالية فيها موالي مصريين، ولا أحد يبصر أنه لا بد من وجود نهاية للمجاعة، مع أن الرق يهلك أجيالا في قرون، ولا أحد يعترف بأن النجاشي لا يدفع رواتب إلى موظفيه ولا إلى جنوده، وأن ضرائبه تجبى عبيدا لرخص هذه الوسيلة إذا ما حمل العبيد على التناسل الكافي، ولا أحد يذكر أن الشريف يصطاد ويحارب؛ لأنه لم يتعلم شيئا آخر، أسمر كان هذا الشريف أو أبيض أو أصفر.
وفوق البحر الأحمر الذي تشق عبابه سفن جميلة في كل يوم، ومن درجة عرض جدة المحرقة، وحين يريح النسيم الليلي على سطح المراكب حسانا من متاعب النهار، تبصر قلوعا
2
بيضا تجري على الموج، ويتعقبها ضباط بمنظارهم، ويتبسمون على ما يحتمل، ثم يحولون أبصارهم لما لا يجدون في ذلك ما يعنيهم، ومما حدث ذات مرة أن تتبعت سفينة حربية إنكليزية زورقا من ذلك الطراز، ويقذف الربان جميع العبيد من فوق المركب، ويحمل الإنكليز على إنقاذهم بذلك، ويفر بهذه الحيلة ويسأل بعد حين قائلا: «لم يبلغ الأجانب من حب العبيد ما ينقذون معه نحو اثني عشر منهم تاركين شراعا كشراعي الجميل يهرب على هذا الوجه؟»
غزلان في السهب.
ناپیژندل شوی مخ