وفي ملاكال، وبعد تلك الملتقيات الثلاثة، وحين ينحرف النهر نحو الشمال، يحمل هذا النهر اسمه الرابع، وكان هذا النهر قد دعي نيل فيكتورية ونيل ألبرت بعد اجتماعهما ببحر الجبل، وتبصر النيل الأبيض بعد الآن، وسيجري هذا النهر مستقيما نحو الشمال بلا روافد، وذلك إلى أن يبسط اسمه أغرب التقاء مرة أخرى.
الفصل الثامن عشر
قطعت المنطقة الاستوائية، وانقضت مغامرات الشباب، ويسير نهر متزن كهل إلى مصيره.
ولدى النهر فيما بعد من الوقت ما يذكر فيه مباغتاته من بحيرات ومساقط ودوافع ومخاطر من كل نوع من المناقع وكفاح ضد الأهوار، هو ليس عميقا، هو يبلغ من العمق خمسة أمتار على العموم، ومترين في بعض المرات، فتنشب حتى البواخر المستوية القعر في الرمل أحيانا، وهو في الغالب يكون عريضا كإحدى البحيرات، وهو بانحداره مليمترين في الكيلومتر الواحد يبدو ساكنا غير جار مرارا، ويمتد السهل الواسع الذي يتحرك فيه النيل بلا خطر ولا مانع 1200 كيلومتر بين سفح هضبة البحيرات والخرطوم فيحده من الشرق منحدرات جبال الحبشة، ومن الغرب جبال نوبة وتلال كردفان، وما في ضفتي النهر من تموجات أرضية خفيفة فيحول دون الفيضان ويمنع من نشوء الغدران ويكفي لضبط النهر في مجراه وجعله صالحا للملاحة، وهذه هي النقطة التي انتهت إليها معرفة بعض شعوب الأمم القديمة عن النيل.
والصقع الذي يقيد جميع ذلك هو السهب الذي هو للنيل نذير الصحراء، وآية البقعة تتجلى في السنط ذي الألوان، في السنط الأخضر والفضي والرملي الأصفر والضارب إلى البنفسجي، وترى أمامه نطاقا من الحصائد الذهبية، وترى بالقرب من الضفاف حرفا من العشب الأخضر الأسود وقليلا من البردي وكثيرا من أم الصوف، وترى أمام هذا الحرف وعند الماء وبين مكان ومكان صفا من الطين الأسود، ومما تراه في شهر مارس على الخصوص ظهور السهب مسودا، والسنط وحده هو الذي يبدو منفصلا عن السهل المحترق، ومن عادة القبائل المنتشرة على الضفتين حرق السهب، وهذا مع استثناء القبائل التي تتمتع عند خط الاستواء بوابل يومي، وما في هذه العادة من خطر على شجر السهب تجدها متأصلة، وهي تفسر بعجز المواشي عن قطم أطراف العشب اللذيذة إذا ما ارتفع كثيرا وزاد كثافة.
وليس للسهب سوى ضرب من النعاس الشتوي، فالماء يغمره وقت ارتفاع المياه على عرض خمسة كيلومترات، ويقل المطر في أثناء السنة حتى كوستي، وكلما نزل إلى الشمال توجع السهب من الحر، ويفر الحيوان ويزحل
1
حد الصيد.
وتنتشر على طول النهر مرتفعات صغيرة، ويبلغ السهل من الاستواء مع ذلك ما يكفي معه ارتفاع مترين لتعيين مقر للإدارة، ولا يزيد ميل النيل على اثني عشر مترا في ثمانمائة من الكيلومترات.
وتبدو أشجار جديدة حول الرنك؛ أي حوالي الدرجة الثانية عشرة من العرض الشمالي، واذكر من شجر السهب الباوباب، النبات الثخين القشر، ويزيد عرضه على علوه، وهو بين النبات تجويفا كالخطيب الشعبي بين الدهماء تأثيرا، وينتفع بقشر ثمره الضارب إلى خضرة في إعداد شراب تافه.
ناپیژندل شوی مخ