وقال آخرون : إنه إنما يعلم بأمور مترقبة متجددة فيما بعد.
احتج الأولون : بأنا إذا علمنا المعدومات متميزة حال عدمها ، وجب أن يكون المعلوم من حال الجوهر غير المعلوم من حال العرض ، والمعلوم من حال السواد غير المعلوم من حال البياض ، وكذا باقي الأجناس. وإذا ثبت هذا فلا بد له من صفة يتميز بها عن غيره ، ويخالف ما يخالف ويضاد ما يضاد ، لاشتراكها أجمع في المعلومية ، فلا يقع الامتياز بذلك ، فلا بد من أمر آخر هو الذي نسميه صفة أو حالا ، وذلك المائز لا يجوز أن يكون مترقب الحصول نحو كونه متحيزا ، أو هيئة مخصوصة ، أو له تعلق مخصوص ، لأن التمايز والتماثل والاختلاف أمور حاصلة في الحال ، وكما أن التماثل والاختلاف لا يقف على أمر متجدد ، فكذا التمايز ، فكما لا يجوز أن يتميز بأمر متعلق (1) بالفاعل لأنه متجدد ، فكذا كونه متحيزا أو هيئة مخصوصة أمر متجدد ، لا يجوز أن يقف الخلاف والمماثلة عليه.
وهذه الحجة فاسدة لابتنائها على تساوي الذوات ، والحق الاختلاف وإن تلك المعلومات مختلفة لذواتها وهي ثابتة ذهنا لا عينا.
قال الآخرون : إنا نعلم تمايز الأجسام بعضها عن بعض قبل وجودها ، ونحكم بمخالفة صورة الإنسان وشكله لصورة الفرس ، وليس ذلك لأجل صفات هي عليها في حال العدم.
ثم ألزموا الأوائل التسلسل ؛ لأنه إذا كان المعلوم من حال الجوهر أنه يقتضي صفته الذاتية دون غيره أن يكون ذلك لأمر آخر اقتضى ذلك ، لزم المحال.
والحق : أن القولين متساويان في الاستحالة. والسبب فيه عدم التفطن بالوجود الذهني.
مخ ۷۸