267

** البحث الرابع : في أن الجزئيات أولى بالجوهرية من الكليات

لما وجد الأوائل الخواص والكمالات التي للجوهرية في الجزئيات أكثر منها في الكليات، حكموا بأن الجوهرية للجزئيات أولى منها للكليات وإن لم تكن قبلها (1)، فإنه ليس الجوهر للجزئيات قبل الكليات ، كما أن الوجود للواجب قبل الممكن ، لكن لما كانت اللواحق والكمالات العارضة للجوهر لما هو هو في الجزئيات أكثر ، كان قوله عليها أولى. وبيانه من وجوه :

الوجه الأول : أن الاستغناء من جملة كمالات الجوهر وخواصه ، والكلي من الجواهر محتاج إلى الشخص ، فإن الكلي إنما يوجد لو كان الشخص موجودا ، لأنه إنما يوجد في ضمنه ، فاحتاج في الوجود إليه. والشخص غني عن الكلي ، لأن الكلي هو المقول على كثيرين ، ولو احتاج الشخص إلى الكلي لاحتاج إلى الشخص الآخر بحيث يوجد معه ، ليكون الكلي مقولا عليهما (2).

وفيه نظر ، فإن الكلي إن أريد به هنا العقلي لم يكن جوهرا. فلا يقال : إن الجوهرية للجزئي أولى منه ، وإن أريد به الكلي الطبيعي ، لم يتم لأنه جزء الشخص ، وجزء الشخص مستغن عنه والشخص محتاج إليه ، فكانت الجوهرية للكلي أولى منه للشخص ، ولأن الكلي الطبيعي لا يحتاج في مقوليته على الشخص إلى شخص آخر ، بل ذلك في الكلي العقلي الذي يمتنع أن يكون شخصا واحدا.

الوجه الثاني : تقدمه بحسب استقرار (3) الأمر المعتبر في الجوهرية وهو الوجود لا في موضوع ، فإن الجوهرية هو كون الماهية بحيث إذا وجدت كانت لا في موضوع ، وأشخاص الجوهر قد ثبت لها ذلك بالفعل ، وأما في كلياتها فإنه منتظر

مخ ۲۷۴