قالت الفلاسفة واجب الوجود بذاته لن يتصور إلا واحدا من كل وجه فلا صفة ولا حال ولا اعتبار ولا حيث ولا وجه لذات واجب الوجود بحيث يكون أحد الوجهين والاعتبارين غير الآخر أو يدل لفظ على شيء هو غير الآخر بذاته ولا يجوز أن يكون نوع واجب الوجود لغير ذاته لأن وجود نوعه له لعينه ولا يشاركه شيء ما صفة كانت أو موصوفا في وجوب الوجود والأزلية ولا ينقسم هو ولا يتكثر لا بالكم ولا بالمبادئ المقومة ولا بأجزاء الحقيقة والحد تعم له صفات سلبية مثل تقدسه عن الكثرة من كل وجه فيسمى لذلك واحدا حقا أحدا صمدا ومثل تنزهه عن المادة وتجرده عن طبيعة الإمكان والعدم ويسمى لذلك عقلا وواجبا وله صفات إضافية مثل كونه صانعا مبدعا حكيما قديرا جوادا كريما وصفات مركبة من سلب وإضافة مثل كونه مريدا أي هو مع عقليته ووجوبه بذاته مبدأ لنظام الخير كله من غير كراهية لما يصدر عنه وجوادا أي هو بهذه الصفة وزيادة سلب أي لا ينحو إعراضا لذاته وأولا أي هو مسلوب عنه الحدوث مع إضافة وجود الكل إليه وصفاته عندهم إما سلبية محضة وإما إضافية محضة وإما مؤلفة من سلب وإضافة والسلوب والإضافات لا توجب كثرة في الذات.
ونحن نسلك منهاجا في إنهاء كلام كل صاحب مذهب نهايته على سبيل المناظرة والمباحثة فتظهر مزلة الإقدام ومضلة الأوهام ويلوح الحق من وراء ستر رقيق على أوضح تحقيق وتدقيق.
قالت الصفاتية ونحن نعتبر الغائب بالشاهد بجوامع أربعة وهي العلة والشرط والدليل والحد أما العلة فنقول قد ثبت كون العالم عالما شاهدا معلل بالعلم والعلة العقلية مع معلولها يتلازمان ولا يجوز تقدير واحد منهما دون الآخر فلو جاز تقدير العالم عالما دون العلم لجاز تقدير العلم من غير أن يتصف محله بكونه عالما فاقتضى الوصف الصفة كاقتضاء الصفة الوصف فمن ثبت له هذه الصفات وجب وصفه بها كذلك إذا وجب وصفه بها وجب إثبات الصفة له ثم عضدوا كلامهم بالإرادة والكلام فإنه لما ثبت له الإرادة والكلام كان مريدا متكلما فلما ثبت كونه مريدا متكلما وجب له الإرادة والكلام فإن العلم رسمان لا يختلفان في العلية والمعلولية وإن كانا يختلفان عندهم في القدم والحدوث.
قالت المعتزلة تعليل الأحكام بالعلل نوع احتياج إلى العلل وذلك لا يتحقق إلا إذا كان الحكم جائز الوجود وجائز العدم فيعلل الحكم بجوازه في الشاهد وكون الباري تعالى عالما واجب وهو مقدس عن الاحتياج إلى التعليل فلا يعلل الحكم لوجوبه في الغائب أليس كل حكم واجب في الشاهد غير معلل أصلا مثل تحيز الجوهر وقبوله للعرض ومثل قيام العرض بالجواهر واحتياجه إلى المحل إلى غير ذلك وخرجوا عن هذه القاعدة كونه مريدا فإنه لما لم يكن واجبا كان معللا وهذا كله لأن الواجب يستقل بوجوبه عن الافتقار إلى العلة وإنما الجائز لما لم يستقل بنفسه أعني أحد طرفي جوازه احتاج إلى علة إما اختيار مختار وإما إيجاب علة فوجود العلم في العالم شاهدا لما كان جائزا احتاج إلى اختيار مختار يوجده وثبوت حكم العلة في الشاهد لما كان جائزا احتاج إلى علة توجبه وهي العلم أليس وجود القديم لما كان واجبا لم يعلل ووجود الحادث لما كان جائزا علل.
قالت الصفاتية بم تنكرون على من يعلل الأحكام الجائزة بالعلل الجائزة والأحكام الواجبة بالعلل الواجبة فلا الاحتياج والافتقار غير موجب للتعليل ولا الاستقلال ولا الاستغناء مانع من التعليل لأنا لسنا نعني بالتعليل الإيجاد والإبداع حتى يستدعيه الجواز والاحتياج ويمنعه الوجوب والاستغناء لكنا نعني بالتعليل الاقتضاء العقلي والتلازم الحقيقي بشرط أن يكون أحدهما ملتزما والآخر ملتزما والوجوب والجواز لا أثر لهما في منع الاقتضاء والتلازم فلا يمتنع عقلا تعليل الواجب بالواجب وتعليل الجائز بالجائز وزادوا على ذلك تحقيقا.
مخ ۶۱