ونقول أيضا كونه مبدأ وعلة لم يدخل في مفهوم كونه واجبا بذاته فإن مفهوم أنه علة أمر إضافي ومفهوم أنه واجب بذاته أمر سلبي وقد تمايز الأمران والمفهومان ويدل كل واحد منهما على غير ما دل عليه الثاني فمن أين يصح لكم رد المعاني إلى أمر واحد وهو الذات فتمايز المفهومات والاعتبارات عندكم وتمايز الأحوال عند أبي هاشم وتمايز الصفات عند أبي الحسن على وتيرة واحدة وكلكم يشير إلى مدلولات مختلفة الخواص والحقائق واعتذاركم أن كثرة اللوازم والسلوب والإضافات لا تقتضي كثرة في صفات الذات واستشهادكم بالقرب والبعد لا يغني عن هذا الإلزام فإنا نلزمكم تمايز الوجوه والاعتبارات بين الإضافي والسلبي إذ من المعلوم كونه علة ومبدأ للمعلول الأول أمر أو حال سلبي وليس يوجب المعلول من حيث أنه انتفا عنه الكثرة وليس كونه مسلوب الكثرة عنه موجبا للمعلول ولا يلزم وجوده شيء من حيث يسلب عنه شيء ولا يسلب عنه شيء من حيث يلزم وجوده شيء ويخالف ما نحن فيه حال القرب والبعد بالإضافة إلى شيء دون شيء فإن قرب الجوهر من جوهر قد يكون من باب الإضافة وقد يكون من باب الوضع وقد يكون من باب الأين لكن لفظ القرب والبعد يطلق على كل جوهرين تقاربا أو تباعدا بمقدار ما والمقادير بينهما لا تنحصر في حد فقيل فعند ذلك تختلف بالنسب والإضافات وهي لا تنحصر فلو قلنا أنهما أمران زائدان على وجودهما أدى ذلك إلى إثبات أعراض لا تتناهى لجوهرين متناهيين لكن ما فيه القرب والبعد متناهيين أعني الأين والوضع والإضافة فهي أمور زائدة على ذاتي الجوهرين فعرف أن المثال الذي تمثلوا به لازم عليهم.
على أنا نقول ألستم أثبتم الإضافة معنى وعرضا زائدا على الجوهر فأفيدونا فرقا معقولا بين إضافة الأب إلى الابن وبين إضافة العلة إلى المعلول فإن الإضافة هو المعنى الذي وجوده بالقياس إلى شيء آخر وليس له وجود غيره مثل الأبوة بالقياس إلى النبوة لا كالأب فإن له وجودا كالإنسانية وكونه مصدرا ومبدأ هو المعنى الذي وجوده بالقياس إلى المعلول وليس له وجود غيره وكذلك كل علة ومعلول سوى العلة الأولى فتعرض له هذا المعنى وهو هذا المعنى بعينه ثم حكمتم بأن الأبوة معنى هو عرض زائد فهلا حكمتم بأن العلية معنى هو عرض زائد حتى يلزم أن يكون الإيجاب بالذات نوع ولادة.
وكثيرا ما دار في خيالي وخاطري أن الذي اعتقدوه النصارى من الأب والابن هو بعينه ما قدره الفلاسفة من الموجب والموجب والعلة والمعلول " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا " فهو تعالى لم يوجب ولم يوجب ولم يلد ولم يولد وإنما نسبة الكل إليه نسبة العبودية إلى الربوبية " إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا " وهو رب كل شيء ومبدعه وإله كل موجود وفاطره جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره.
القاعدة التاسعة
في إثبات العلم بالصفات الأزلية
صارت المعتزلة إلى أن الباري تعالى حي عالم قادر لذاته لا يعلم وقدرة وحياة واختلفوا في كونه سميعا بصيرا مريدا متكلما على طرق مختلفة كما سنوردها مسائل أرفاد إن شاء الله تعالى وأبو الهذيل العلاف انتهج مناهج الفلاسفة فقال الباري تعالى عالم بعلم هو نفسه ولكن لا يقال نفسه علم كما قالت الفلاسفة عاقل وعقل ومعقول.
ثم اختلفت المعتزلة في أن أحكام الذات هل هي أحوال الذات أم وجوه واعتبارات فقال أكثرهم هي أسماء وأحكام للذات وليست أحوال وصفات كما في الشاهد من الصفات الذاتية للجوهر والصفات التابعة للحدوث.
وقال أبو هاشم هي أحوال ثابتة للذات وأثبت حالة أخرى توجب هذه الأحوال.
وقالت الصفاتية من الأشعرية والسلف إن الباري تعالى عالم بعلم قادر بقدرة حي بحياة سميع بسمع بصير ببصر مريد بإرادة متكلم بكلام باق ببقاء وهذه الصفات زائدة على ذاته سبحانه وهي صفات موجودة أزلية ومعان قائمة بذاته.
وحقيقة الإلهية هي أن تكون ذات أزلية موصوفة بتلك الصفات وزاد بعض السلف قديم بقدم كريم بكرم جواد بجود إلى أن عد عبد الله بن سعيد الكلابي خمسة عشر صفة على غير فرق بين صفات الذات وصفات الأفعال.
مخ ۶۰