قال المثبتون أما قولكم في العلم يتعلق بالوجود أو بتقدير الوجود فإنه ينتقض بعلم الباري سبحانه بعدم العالم في الأزل فإنه لا وجود للعالم في الأزل ولا تقدير الوجود من وجهين أحدهما أن تقدير العالم في الأزل محال والثاني أن التقدير من الباري سبحانه محال فإنه ترديد الفكر بوجود شيء وعدمه فإن قدر في ذاته فهو محال وإن فعل فعلا سماه تقديرا فهو محال في الأزل ولا بد للعلم من متعلق وهو معلوم محقق فوجب أن يكون شيئا ثابتا.
وقولكم العلم يتعلق بوجود الشيء في وقت وجوده ثم يلزم من ضرورته العلم بعدمه قبل وجوده يلزمكم حصر العلم في معلومات هي موجودات والموجودات متناهية فيجب تناهي المعلومات وأنتم لا تقولون به ثم تلك اللوازم إن كانت معلومة فهي كالموجودات على السواء في تعلق العلم بها وإن لم تكن معلومة فقد تناهى العلم والمعلومات.
وأما قولكم أن الوجود منفي أم ثابت فعلى أصلنا الوجود منفي وليس بثابت وليس كل منفي ومعدوم عندنا ثابتا فإن المحالات منفيات ومعدومات وليست أشياء ثابتة بل سر مذهبنا أن الصفات الذاتية للجواهر والأعراض هي لها لذواتها لا تتعلق بفعل الفاعل وقدرة القادر إذ أمكننا أن نتصور الجوهر جوهرا أو عينا وذاتا والعرض عرضا وذاتا وعينا ولا يخطر ببالنا أنه أمر موجود مخلوق بقدرة القادر والمخلوق والمحدث إنما يحتاج إلى الفاعل من حيث وجوده إذا كان في نفسه ممكن الوجود والعدم وإذا ترجح جانب الوجود احتاج إلى مرجح فلا أثر للفاعل بقادريته أو قدرته إلا في الوجود فحسب فقلنا ما هو له لذاته قد سبق الوجود وهو جوهريته وعرضيته فهو شيء وما هو له بقدرة القادر هو وجوده وحصوله وما هو تابع لوجوده فهو تحيزه وقبوله للعرض وهذه قضايا عقلية ضرورية لا ينكرها عاقل.
وعلى هذه القاعدة يخرج الجواب عن أثر الإيجاد فإن تأثير القدرة في الوجود فقط والقادر لا يعطيه إلا الوجود والممكن في ذاته لا يحتاج إلى القادر إلا من جهة الوجود ألسنا نقول إن إمكان الممكن من حيث إمكانه أمر لذاته وهو من هذا الوجه غير محتاج إلى الفاعل وليس للفاعل جعله ممكنا لكن من حيث ترجيح أحد طرفي الإمكان كان محتاجا إلى الفاعل فعلم يقينا أن الأمور الذاتية لا تنسب إلى الفاعل بل ما يعرض لها من الوجود والحصول ينسب إلى الفاعل ونقول أن الفاعل إذا أراد إيجاد جوهر فلا بد أن يتميز الجوهر بحقيقته عن العرض حتى يتحقق القصد إليه بالإيجاد وإلا فالجوهر والعرض في العدم إذا كان لا يتميز أحدهما عن الثاني بأمر ما وحقيقة ما وذلك الأمر والحقيقة لم يكن شيئا ثابتا لم يتجرد القصد إلى الجوهر دون العرض وإلى الحركة دون السكون والبياض دون السواد إلى غير ذلك والتخصيص بالوجود إنما يتصور إذا كان المخصص معينا مميزا عند المخصص حتى لا يقع جوهر بدل عرض ولا حركة بدل سكون ولا بياض بدل سواد فعلم بذلك أن حقائق الأجناس والأنواع لا تتعلق بفعل الفاعل وأنها في ذواتها إن لم تكن أشياء منفصلة لم يتصور الإيجاد والاختراع ولكان حصول الكائنات على اختلافها اتفاقا وبختا.
مخ ۵۲