قال نفاة الشيئية عن العدم قد تقرر في أوائل العقول أن النفي والإثبات يتقابلان والمنفي والمثبت يتقابلان تقابل التناقض حتى ا نفيت شيئا معينا في حال مخصوص بجهة مخصوصة لم يمكنك إثباته على تلك الحال وتلك الجهة المخصوصة ومن أنكر هذه القضية فقد أنكر هذه الحقائق كلها وإذا كان المنفي ثابتا على أصل من قال أن المعدوم شيء فقد رفع هذه القضية أصلا وكان كمن قال لا معقول ولا معلوم إلا الثبوت فحسب وذلك خروج عن القضايا الأولية وتحديد ذلك أن كل معدوم منفي وكل منفي ليس بثابت فكل معدوم ليس بثابت.
قال من أثبت المعدوم شيئا كما تقرر في العقل تقابل النفي والإثبات فقد تقرر أيضا تقابل الوجود والعدم فنحن وفرنا على كل تقسيم عقلي حظه وقلنا أن الوجود والثبوت لا يترادفان على معنى واحد والمعدوم والمنفي كذلك.
قالت النفاة الآن صرحتم بالحق حيث ميزتم بين قسم وقسم فالثبوت عندكم أعم من الوجود فإن الثبوت يشمل الموجود والمعدوم فهلا قلتم في المقابل كذلك وإن المنفي أعم من المعدوم حتى يكون صفة عمومة حالا أو وجها للمنفي ثابتا كما كان صفة خصوص المعدوم حالا للمعدوم أو وجها ثابتا فيتحقق أمر ثابت ويرتفع المقابل العقلي وإن لم يثبتوا فرقا بين المنفي والمعدوم ثم قالوا كل معدوم شيء ثابت لزمهم أن يقولوا كل منفي شيء ثابت فرجع الإلزام عليهم رجوعا ظاهرا وهو رفع التقابل بين النفي والإثبات.
قال المثبتون إذا حققتم الكلام في النفي والإثبات والموجود والمعدوم وميزتم بين الخصوص والعموم فيه عاد الإلزام عليكم متوجها من وجهين أحدهما أنكم أثبتم في المعدوم خصوصا وعموما أيضا حتى قلتم منه ما هو واجب كالمستحيل ومنه ما هو جائز كالممكن ومنه ما يستحيل لذاته كالجمع بين المتضادين ومنه ما يستحيل لغيره كخلاف المعلوم فهذه التقسيمات قد وردت على المعدوم فأخذتم المعدومية عامة وخصصتم بهذه الخصائص فلولا أن المعدوم شيء ثابت وإلا لما تحقق فيه العموم والخصوص ولما تحقق التميز بين قسم وقسم.
والوجه الثاني أنكم اعترفتم بأن المنفي والمعدوم معلوم وقد أخبرتم عنه وتصرفتم بأفكاركم فيه فما متعلق العلم وما معنى التعلق إذا لم يكن شيئا ثابتا أصلا.
قالت النفاة نحن لا نثبت في العدم خصوصا وعموما بل الخصوص والعموم فيه راجع إلى اللفظ المجرد وإلى التقدير في العقل بل العلم لا يتعلق بالمعدوم من حيث هو معدوم إلا على تقدير الوجود فالعدم المطلق يعلم ويعقل على تقدير الوجود المطلق في مقابلة العدم المخصوص أعني عدم شيء بعينه فأما أن يشار إلى موجود محقق فيقال عدم هذا الشيء وإما أن يقدر في العقل فيقال عدم ذلك المقدر كالقيامة تقدر في العقل ثم تنفى في الحال أو تثبت في المآل فالعدم إذا لا يخص ولا يعم ولا يعلم من غير وجود أو تقدير وجود فكان العلم يتعلق بالموجود ثم من ضرورته أن يصير عدم ذلك الشيء معلوما فيخبر عنه بأنه منفي ويعبر عنه أنه ليس بشيء في الحال وإن كان شيئا في ثاني الحال على أنا نلزمكم الوجود نفسه والصفات التابعة للوجود عندكم مثل التحيز للجوهر وقبوله للعرض وقيامه بالذات ومثل احتياج العرض إلى الجوهر وقيامه به فنقول الوجود منفي من الجواهر أم ثابت فإن كان ثابتا فهو تصريح بقدر العالم وتقرير أن لا إبداع ولا اختراع ولا أثر لقادرية الباري سبحانه وتعالى أصلا وإن كان منفيا فكل منفي عندكم معدوم وكل معدوم ثابت فعاد الإلزام عليكم جذعا.
ونقول قد قام الدليل على أن الباري سبحانه أوجد العالم بجواهره وإعراضه فيقال أوجد عينها وذاتها أم غير ذاتها فإن قلتم أوجد ذاتها وعينها فالعين والذات ثابتة في العدم عندكم وهما صفتان ذاتيتان لا تتعلق بهما القدرة والقادرية ولا هي من آثارهما وإن قلتم أوجد غيرها فالكلام في ذلك الغير كالكلام فيما نحن فيه.
مخ ۵۱