وقولهم الشيء الواحد لا شركة فيه والمشترك لا وجود له باطل فإن الشيء المعين من حيث هو معين لا شركة فيه وهذه الصفات التي أثبتناها ليست معينة مخصصة بل هي صفات يقع بها التخصيص والتعيين ويقع فيها الشمول والعموم وهو من القضايا الضرورية كالوجوه عندكم ومن رد التعميم والتخصيص إلى مجرد الألفاظ فقد أبطل الوجوه والاعتبارات العقلية أليست العبارات تتبدل لغة فلغة وحالة فحالة وهذه الوجوه العقلية لا تتبدل بل الذوات ثابتة عليها قبل التعبير عنها بلفظ عام وخاص على السواء ومن ردها إلى الاعتبارات فقد ناقض وردها إلى العبارات فإن الاعتبارات لا تتبدل ولا تتغير بعقل وعقل والعبارات تتبدل بلسان ولسان وزمان وزمان.
وقولهم حد الشيء وحقيقته وذاته عبارات عن معبر واحد والأشياء إنما تتميز بخواص ذواتها ولا شركة في الخواص.
قال المثبت هب أن الأمر كذلك لكن خاصية كل شيء معين غير وخاصية كل نوع محقق غير وأنتم لا تحدون جوهرا بعينه على الخصوص بل تحدون الجوهر من حيث هو جوهر على الإطلاق فقد أثبتم معنى عاما يعم الجواهر وهو التحيز مثلا وإلا لكان كل جوهر على حالة محتاجا إلى حد على حياله ولا يجوز أن يجري حكم جوهر في جوهر من التحيز وقبول الأعراض والقيام بالنفس فإذا لم نجد بدا من أدراج أمر عام في الحد وذلك يبطل قولكم أن الأشياء إنما تتمايز بذواتها ويصح قولنا أن الحدود لا تستغني عن عمومات ألفاظ تدل على صفات عموم الذوات وصفات خصوص وتلك أحوال لها ووجوه واعتبارات عقلية أو ما شئت فسمها بعد الاتفاق على المعاني والحقائق.
قال النافون غاية تقريركم في إثبات الحال هو التمسك بعمومات وخصوصات ووجوه عقلية واعتبارات أما العموم والخصوص فمنتقض عليكم بنفس الحال فإن لفظ الحال يشمل جنس الأحوال وحال هي صفة لشيء تخص ذلك الشيء لا محالة فلا يخلو إما أن يرجع معناه إلى عبارة تعم وعبارة تخص فخذوا منا في سائر العبارات العامة والخاصة كذلك وإما أن ترجع إلى معنى آخر وراء العبارة فيؤدي إلى إثبات الحال للحال وذلك محال ولا يغني عن هذا الإلزام قولكم الصفة لا توصف فإنكم أول من أثبت للصفة صفة حيث جعلتم الوجود والعرضية واللونية والسوادية أحوالا للسواد فإذا أثبتم للصفات صفات فهلا أثبتم للأحوال أحوالا وأما الوجوه والاعتبارات فقد تتحقق في الأحوال أيضا فإن الحال العام غير والحال الخاص غير وهما اعتباران في الحال وحال يوجب أحوالا غير وحال هي موجبة الحال غير أليس قد أثبت أبو هاشم حالا للباري سبحانه توجب كونه عالما قادرا والعالمية والقادرية حالتان فحال توجب وحال هي غير موجبة مختلفتان في الاعتبار واختلاف الاعتبارين لا يوجب اختلاف الحالين للحال.
هذا من الإلزامات المفحمة ومن جملتها أخرى وهي أن الوجود في القديم والحادث والجوهر والعرض عندهم حال لا يختلف البتة بل وجود الجوهر في حكم وجود العرض على السواء فيلزمهم على ذلك أمران منكران إبهام شيء واحد في شيئين مختلفين أو شيئان مختلفان في شيء واحد وواحد في اثنين واثنان في واحد محال أما أحدهما أن شيئا واحدا كيف يتصور في شيئين فإن حال الوجود من حيث هو وجود واحد ومن بدايه العقول أن الشيء الواحد لا يكون في شيئين مها بل في جميع الموجودات على السواء وفي ما لم يوجد بعد لكنه سيوجد على السواء وهو من أمحل المحال.
والمنكر الثاني إذا كان الوجود حالا واحدا واجتمعت فيه أجناس وأنواع وأصناف فيلزم أن تتحد المتكثرات المختلفة فيه ولزم تبدل الأجناس من غير تبدل وتغير في الوجود أصلا وذلك كتبدل الصورة بعضها ببعض في الهيولي عند الفلاسفة من غير تبدل في الهيولي وذلك التمثيل أيضا غير سديد فإن الهيولي عندهم لا تعري عن الصورة إلا أن من الصور ما هو لازم للهيولي كالأبعاد الثلاثة ومنها ما يتبدل كالأشكال والمقادير المختلفة والأوضاع والكيفيات وبالجملة وجود مجرد مطلق عام غير مختلف كيف يتصور وجوده وما محله فإن كان الجوهر محلا له فقد بطل عمومه العرض فإن عنيتم العرض فقد بطل عمومه الجوهر وإن لم يكن ذا محل وهو من أمحل المحال.
مخ ۴۷