أما الأول فكل حكم لعلة قامت بذات يشترط في ثبوتها الحياة عند أبي هاشم ككون الحي حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا لأن كونه حيا عالما يعلل بالحياة والعلم في الشاهد فتقوم الحياة بمحل وتوجب كون المحل حيا وكذلك العلم والقدرة والإرادة وكل ما يشترط في ثبوته الحياة وتسمى هذه الأحكام أحوالا وهي صفات زائدة على المعاني التي أوجبتها وعند القاضي رحمه الله كل صفة لموجود لا تتصف بالوجود فهي حال سواء كان المعنى الموجب مما يشترط في ثبوته الحياة أو لم يشترط ككون الحي حيا وعالما وقادرا وكون المتحرك متحركا والساكن ساكنا والأسود والأبيض إلى غير ذلك ولابن الجباي في المتحرك اختلاف رأي وربما يطرد ذلك في الأكوان كلها ولما كانت البنية عنده شرطا في المعاني التي تشترط في ثبوتها الحياة وكانت البنية في أجزائها في حكم محل واحد فتوصف بالحال وعند القاضي أبي بكر رحمه الله لا يوصف بالحال إلا الجزء الذي قام به المعنى فقط وأما القسم الثاني فهو كل صفة إثبات لذات من غير علة زائدة على الذات كتحيز الجوهر وكونه موجودا وكون العرض عرضا ولونا وسوادا والضابط أن كل موجود له خاصية يتميز بها عن غيره فإنما يتميز بخاصية هي حال وما تتماثل المتماثلات به وتختلف المختلفات فيه فهو حال وهي التي تسمى صفات الأجناس والأنواع والأحوال عند المثبتين ليست موجودة ولا معدومة ولا هي أشياء ولا توصف بصفة ما وعند ابن الجباي ليست هي معلومة على حيالها وإنما تعلم مع الذات وأما نفاة الأحوال فعندهم الأشياء تختلف وتتماثل لذواتها المعينة وأما أسماء الأجناس والأنواع فيرجع عمومها إلى الألفاظ الدالة عليها فقط وكذلك خصوصها وقد يعلم الشيء من وجه ويجهل من وجه والوجوه اعتبارات لا ترجع إلى صفات هي أحوال تختص بالذوات وهذا تقرير مذهب الفريقين في تعريف الحال.
أما أدلة الفريقين فقال المثبتون العقل يقضي ضرورة أن السواد والبياض يشتركان في قضية وهي اللونية والعرضية ويفترقان في قضية وهي السوادية والبياضية فما به الاشتراك غير ما به الافتراق أو غيره فالأول سفسطة والثاني تسليم المسئلة.
وقال النفاة السواد والبياض المعنيان قط لا يشتركان في شيء هو كالصفة لهما بل يشتركان في شيء هو اللفظ الدال على الجنسية والنوعية والعموم والاشتراك فيه ليس يرجع إلى صفة هي حال للسواد والبياض فإن حالتي العرضين يشتركان في الحالية ولا يقتضي ذلك الاشتراك ثوب حال للحال فإنه يؤدي إلى التسلسل فالعموم كالعموم والخصوص كالخصوص.
قال المثبتون الاشتراك والافتراق قضية عقلية وراء اللفظ وإنما صيغ اللفظ على وفق ذلك ومطابقته ونحن إنما تمسكنا بالقضايا العقلية دون الألفاظ الوضعية ومن اعتقد أن العموم والخصوص يرجعان إلى اللفظ المجرد فقد أنكر الحدود العقلية للأشياء والأدلة القطعية على المدلولات والأشياء لو كانت تتمايز بذواتها ووجودها بطل القول بالقضايا العقلية وحسم باب الاستدلال بشيء أولى على شيء مكتسب متحصل وما لم يدرج في الأدلة العقلية عموما عقليا لم يصل إلى العلم بالمدلول قط وما لم يتحقق في الحد شمولا بجميع المحدودات لم يصل إلى العلم المحدود.
قال النافون الكلام على المذهب ردا وقبولا إنما يصح بعد كون المذهب معقولا ونحن نعلم بالبديهة أن لا واسطة بين النفي والإثبات ولا بين العدم والوجود وأنتم اعتقدتم الحال لا موجودة ولا معدومة وهو متناقض بالبديهة ثم فرقتم بين الوجود والثبوت فأطلقتم لفظ الثبوت على الحال ومنعتم إطلاق لفظ الوجود فنفس المذهب إذا لم يكن معقولا فكيف يسوغ سماع الكلام والدليل عليه.
ومن العجائب أن ابن الجباي قال لا توصف بكونها معلومة أو مجهولة وغاية الاستدلال إثبات العلم بوجود الشيء فإذا لم يتصور له وجود ولا تعلق العلم به بطل الاستدلال عليه وتناقض الكلام فيه.
مخ ۴۵