د نویانزي د فکر نظریه په نولسمه پيړۍ کې
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
ژانرونه
أما وقد انتهى بنا البحث إلى أن مدونات المعاصرين للحوادث ذات قيمة خاصة بها مهما كان في تلك المدونات في منازع النقص، فلا نخال أن يكون تدوين الأفكار إلا أبلغ من تدوين الحوادث خطرا، وأبعد نفعا، وأعمق فائدة، لا سيما إذا أخذ «الفكر» على أنه الحياة الداخلية الكامنة لعصر من العصور، ولم يقتصر معناه على ذلك الجزء الذي يدل على الفكر المحدود القاصر في الدلالة على منتجات الأقلام خلال زمان ما من الأزمان؛ ذلك لأن جزءا عظيما من تلك الحياة الداخلية الكامنة لا يمكن أن يبلغ منه أحد بفهم أو معرفة، إلا شخصا اشترك في تكوينها ومثل فيها من أوجه الحياة دورا.
الآمال الغامضة المبهمة التي تجيش في صدور الآلاف المؤلفة من أبناء آدم وهم عاجزون عن إقناع شهوتها، أو التعبير عن حقيقتها، والسقطات والهزائم التي تمر في عالم الحياة من غير أن يعرفها أحد، أو يهتم بها إنسان، والرغبات التي تعيش في صدور الناس ممتدة في سلسلة من التواصل والتتابع غير متناهية، أو تتشكل بصورة ما من صور حياتهم، والمحاولات التي يتشبث بها الناس ابتغاء الوصول إلى حل المشكلات العلمية التي يمليها الطمع عليهم، أو تبعث بها الحاجة في النفوس، وتلك الساعات الطويلة التي ينفقها محبو العلم سدى؛ طمعا في الوقوف على أسرار الطبيعة - جماع هذه المجهودات المخبوءة في نواحي النسيان تكون ذلك الهيكل الذي نسميه «فكر الأمة»، ولا يطفو منه على سطح الحياة إلا جزء ضئيل بارز في صورة من الأدب ، أو العلم، أو الشعر، أو الفن، أو المنتجات المادية الخاصة بفترة ما من فترات الزمان.
وإن لدينا شيئا آخر لا يقل عما سبق القول فيه قدرا، وإن كان أقل منه ظهورا للناس؛ فإن ذلك القدر العظيم من الفكر «الكامن» لهو الذي أتم النضج، وهو الذي استجمع مواد الإشعاع الفكري وجعلها على أهبة الإضاءة إن أشعل فتيلها شرارة من الانبعاث في التأمل والعمل. إن «الفكر الكامن» عبارة عن القوة الدافعة العظيمة التي تستخزنها الأزمان، وتظل مستخزنة حتى تفك عقالها العبقرية والكفاءات الفردية، فتنبعث في سبيل الحرية والنشاط.
لقد عرفنا الفلاسفة عند مقدار ما في الحياة العضوية من أوجه الإسراف، خبرونا عن الآلاف المؤلفة من الجراثيم التي تولد وتتلاشى عبثا، وعن مقدار ما ينثر من الحب سدى. والظاهر أن للمجهود العقلي والأدبي حظا من الإسراف والعبث لا يقل عن حظ الحياة العضوية، غير أننا إذا تأملنا في الحياة العقلية همس في روعنا اعتقاد يقنعنا بأن مبدأ تعاون الأكثرية، لا مبدأ التضحية الفردية، هو السر في نجاح الأقلية، وأن الإتقان وليد الجهد المشترك، وأن الكثيرين لا بد من أن تتبدد حياتهم ليصل واحد إلى الغرض.
أي شعور آخر غير هذا في مكنته أن يصبح سلوى أولئك الأمناء الشجعان، الذين أنفقوا أعمارهم ابتغاء الوصول إلى حل مجموعة المشكلات الاجتماعية، على ما فيها من مظاهر الاستعصاء، وعلى ما يحف بها من المشكلات؟ أي سلوى غير هذه لأولئك الذين يعملون على استئصال جذور الرذائل والتعاسة التي تفيض بها الحياة في المدن العظمى؟ أو للذين يقومون صارخين في وجه المستبدين منادين بحرية الشعوب المستعبدة؟ أو للذين يبشرون بالسلام عاملين على قتل روح الحرب والعسكرية؟ أي شيء في العالم أكثر ترويحا على نفس مؤلف ينفق نصف عمره في تأليف كتاب يخرج من آلة الطباعة ميتا منبوذا، أكثر من اعتقاده بأن كاتبا آخر غيره قد ينجح في المستقبل فيما أخفق فيه اليوم، وأن إخفاقه ليس إلا جزءا من الجهد الكامن الذي سوف يكون حجرا في بناء التعاون في سبيل إبراز غرض نافع؟
غير أنه يحق لنا أن نتساءل في مستطاع من من الناس أن يكتب تاريخ ذلك الجهد الكامن المخبوء في ثنايا الفكر العام لأمة من الأمم؟ من من الباحثين قد خص بقدر من الحساسية النفسية يمكنه من أن يدرك بشعوره وبصيرته الخفية، في أية ناحية من نواحي الحياة كان ضغط الحوادث أشد أثرا، وفي أيها كان الجهد الإنساني أطول مدى، قبل أن ينبثق فجر الحياة الجديدة؟ من من المفكرين قد يبلغ خياله وتصوره مبلغا يمكنه من تتبع تلك الخيوط المشعة في عقل الأمم، والتي تتجمع في عقليتها الكامنة حالا بعد حال، بعد أن تسطع أضواء الحياة بنتائج الجهد المشترك؟
نحن الذين نعيش مترقبين إشعاع الضوء محوطين بما يغشاه من العقبات والمتاعب، نحن الجنود المحاربون في سبيل الحق، المنفقون حياتنا وجهودنا في جوف المعركة، لا بعد انتهائها، نحن الذين يحق لنا أن نفخر بأن في قدرتنا أن نروي من منازع الآمال الجائشة في الصدور، ومن أوجه الجهود التي قام بها كثير من أبطال الحياة الفكرية، ومن تشعب نواحي الفكر، رواية أقرب إلى الحق رحما، وأصدق قولا، وأثبت تأويلا.
على أن لدينا مسألة أخرى نجد في بحثها لذة وخطرا: قد نتساءل إلى أي عصر من العصور الماضية نستطيع نحن - الذين عشنا خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر - أن نرجع بتاريخ عهدنا الذي نفخر بأننا أوقف الناس على خباياه، وأعلمهم بما فيه؟ لا مرية في أننا نعرف أن آباءنا وأجدادنا الأقربين هم الذين شاهدوا الحملة الإنسانية التي قامت للقضاء على تجارة الرقيق واقتناء العبيد، بل اشتركوا فيها. هم رجال الأجيال الذين قاموا بأكبر قسط من الإصلاح الحديث، هم الذين عركوا ذلك الانقلاب المبين الذي أحدثه استخدام البخار والغاز، كما أنهم من الذين أخذوا بضلع في حركة التعليم ونشره في أنحاء الأرض.
هم الذين شهدوا ثورة ألمانيا ضد الاستبداد البونابارتي، وأدركهم «جوته» في عنفوان رجولته، فهزت عبقريته أعماق نفوسهم، وأخذوا بضلع في إحداث طور الانتقال الذي أدرك الأدب، فأطلقوا من قيود العصور الأولى واحتذاء أمثلة القدماء إلى سلاسة الذوق الحديث، ومسهم من شعر «بيرون» ما يمس القلوب فيصهرها حره، أو يثلجها قره، وأنصتوا لمفوهي الخطباء الذي أنبتتهم الثورة الفرنسوية الثالثة، ورووا لنا ما كان من سحر نابوليون الأول على الملايين الذين مضوا به معجبين، وله خاضعين.
إن الشطر الأعظم من تلك الصور الشتى لا تعيش بيننا اليوم إلا في قالب من القصص يرويه الذين عاصروها، أو في صدور الذين شهدوها وامتد بهم أجلهم ليرووا بأنفسهم أخبارها، ولم يتم إلا لبعض منهم أن يخلدوا بأقلامهم في بطون الأوراق، أو بريشتهم على لوحة التصوير، ذكرها ... ليتركوها ذخرا للأجيال القادمة. لم نسعد بسماع كلماتهم فحسب، بل سعدنا بما استقرأنا في ملامح وجوههم من آثار الشدائد التي عانوها، والصعاب التي شهدوها، ورأينا في البريق الذي تبعثه عيونهم موحيات الحمية، ومطاوعات الأمل، وشهدنا في نظراتهم وفي أصواتهم المرتجة ذكرى ما وقعوا عليه من شهوات الصبا، ومسرات الشباب والفتوة.
ناپیژندل شوی مخ