د نویانزي د فکر نظریه په نولسمه پيړۍ کې
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
ژانرونه
2
الذي نعيش فيه، مشفوعا بلمحة في العصر الذي سبقه مباشرة، وهو العصر الذي يعيش فيه كاتب هذه الكلمات وقراؤه، عصر لهم به إلمام وعلم مباشر، وذكريات قد تكون صحيحة، وقد تكون غير ذلك. كان هذا الاعتبار أكبر سبب حملني على أن أفرغ قصارى جهدي في بحث تاريخ هذا العصر دون غيره من تاريخ الفكر الإنساني، مقتنعا بأنني وقرائي أكثر معرفة بهذا العهد على ما يظهر لي من أي عهد آخر، إذا تسنى لي أن أمضي في بحثه على الطريقة المثلى. ولما كان كل شخص هو أقدر الناس على كتابة تاريخ حياته، كذلك يغلب علي الظن أن أبناء كل عصر من العصور - على اعتبار ما - هم أثبت من يحيطون بتاريخ الفكر فيه.
ولقد قام الكثيرون يناهضون هذه النظرية مناهضة كان مقدارها في كل الحالات رهنا على ما هو واقع بين الحوادث الخارجية من الأثر، تلك الحوادث التي يلحقها كثير من الكتاب بالتاريخ اعتباطا وإسرافا، ويقال: إن المعاصرين من الكتاب إذ يؤرخون في عصورهم لا يتخطون من التاريخ حد تدوين الحوادث ناظرين فيها من ناحية واحدة، فتخرج من بين أيديهم ناقصة بتراء. والحقيقة أن المؤرخ أحوج ما يكون إلى استيراد أكبر عدد ممكن من المدونات المتنوعة؛ لأن أصح المدونات التاريخية وأقربها إلى الحقيقة هي التي تخرج من فكر أكثر الناس قدرة على الجمع بين شتات هذه المدونات، فيجعلها كما واحدا، فيستطيع بذلك أن يتجنب مواضع الزلل التي كثيرا ما تتغلغل إلى صميم الأبحاث من الإكباب على ناحية واحدة من نواحي النظر الفكري يعكف عليها الكاتبون، ويمكنه أن يتنكب بذلك سبيل العماية في استقصاء نواحي الاستبصار، وأن يبعد جهد البعد عن الجهل الشخصي والتخبط، والحكم على الأشياء بمجرد اللذة والهوى.
على الرغم من هذه النقائص وأمثالها، فإن مدونات المعاصرين قد ظلت طوال الأعصر - وستظل - أثمن مصدر، وأوثق منهل يعتل منه مؤرخو العصور المستقبلة، الذين هم من الجائز أن يصلوا إلى تمحيص براهينها، والفحص عن أسانيدها، فيجمعون بين شتاتها، ويظهرون مواضع النفع فيها، فتتمخض عن صورة من التاريخ أكثر ثباتا، وأبعد دقة، من صور العصور التي تتقدمها، بيد أن مدونات اللاحقين إذ تكون قيمتها محدودة بعصر ما، فإن تاريخ المعاصرين، أهل الشهادة لما وقع في عصورهم، على ما يكون فيها من السذاجة والإطناب، بل ومن التناقض، سوف تبز - بعد مضي المئات والألوف من السنين من حيث البقاء والثبات والقيمة - مدونات اللاحقين على ما سيكون فيها من آثار الجد والجهد الفتي؛ لأن مدوناتهم سوف تكون نتاجا لما يبعثه فيهم وحي عصر غير عصرهم، واقتناع بضروب من الأحكام العامة ليست من نتاج أفكارهم، أو كما لاحظ جوته إذ قال:
إن التاريخ يجب أن يعاد تدوينه من حين إلى حين، لا لأن حقائق كثيرة تكون قد عرفت على مر الأيام، بل لأن أوجها من النظر قد تظهر في أفق البحث العقلي، ولأن المعاصرين الذين هم ذوو ضلع كبير في تقدم عصورهم وارتقائها، يساقون دائما إلى غايات ينتهون بها إلى حيث تصبح ذات صبغة يقتدر بها على تدبر الماضي والحكم عليه بصورة لم تكن معروفة من قبل.
إن كثيرا من كتاب التاريخ، الذين أنبتهم هذا العصر، سوف يظلون قرونا عديدة موضع الفائدة ومرجع الجاذبية العامة، كمؤرخين أبرزوا للعالم من العدم أساليب جديدة من البحث، وانتحوا من النظر نواحي مبتكرة في السياسة والاجتماع والرقي الأدبي أكثر منهم مقرري حوادث ومدوني وقائع يمكن الاعتماد عليها، والثقة بها، وإن طريقة النظر الموضوعي
Objective Method
التي يعكف عليها البعض منهم، سوف ينظر إليها لا كطريقة ابتغوا بها التحرر من آثار التقيد والتقليد، ولكن كطريقة لم يشعروا لدى إكبابهم عليها بما أوحي لهم من قبل تخيلهم ووهمهم الذي يتحكم فيهم التحكم كله.
غير أن الحقائق التاريخية التي يرجع تدوينها ونقدها إلى عقول عاصرت وقوع تلك الحوادث لها فائدة مزدوجة في الكشف عن حقائق العصر الذي وقعت فيه، فإن الحوادث والعقول التي تنصرف إلى التأمل فيها، كلاهما يكمل نقائص الآخر في إخراج صورة أكثر كمالا، وأقرب إلى التمام رحما. وشأن الحوادث والعقول في ذلك كشأن المادة والوجهة التي ينظر إلى المادة من ناحيتها في تبعيتها لزمان واحد.
من هنا نسلم بأن المؤرخين أمثال «ثيوسيديد» و«تاسيتوس» و«ماكيافيلي» عبارة عن نماذج كاملة في فن كتابة التاريخ، وأن المذكرات التي يخلفها سياسيو العصور الحديثة عادة أثمن قيمة، وأبعد فائدة، وأطول بقاء من تلك القصص الموصولة الحوادث، المحبوكة الأطراف التي يكتبها مؤرخون لا صلة لهم بالزمان الذي يؤرخون فيه، رغم ما يصرفون فيها من الجهد والعناء.
ناپیژندل شوی مخ