أما الثاني فسحر العدوى؛ فالساحر يحرق ثوب الشخص المراد قتله فتنتقل عدوى الفناء (= الموت) من الثوب إلى صاحبه، وفي مصر الآن نرى آثار هذا السحر في الرقية.
وقد ذكرنا أن المتوحشين لا يعرفون سبب الحمل والولادة، وهم كذلك لا يعرفون سبب الموت أو المرض؛ فالقتل والجرح كثيران بينهم، ولذلك فهم يعزون الموت الطبيعي أو المرض إلى قوة غير منظورة وجهها أحد الأشخاص إليهم، ويساعدهم على هذا أنهم يرون هؤلاء الأشخاص في أحلامهم.
ووظيفة الساحر عند أحط المتوحشين تنحصر تقريبا في إصابة أحد الأشخاص بالمرض أو بالموت، فيقبض على حربة صغيرة ويلقيها في ناحية الشخص المراد قتله وهو بعيد عنه، فإذا عرف هذا الشخص ما فعله الساحر عمد إلى ساحر آخر كي يشفيه، أو يمتلكه الخوف فيموت بقوة الإيحاء والوهم.
وإصابة الناس على بعد بالشر والضرر لا تزال موجودة عند العامة، كما نرى في وضع الكف بهيئة «كبة»، والأصبع الثاني المسمى «السبابة» يدل على هذا المعنى القديم؛ لأن الاسم مشتق من السب؛ أي الشتم.
ومن السحر نشأ بعد ذلك الطب (ولا يزال معنى هذه الكلمة في العربية السحر)، والكهانة، ولها أيضا هذا المعنى.
أصل الحضارة
تطلق الحضارة على جملة معان خاصة تجتمع معا فيتألف منها معناها؛ ففي الناس طوائف تعيش في الغابات بعيدة عن الحضارة، وبدو الصحراء ليسوا متحضرين إلا بمقدار ما اكتسبوه من المتحضرين؛ من لباس يلبسونه أو ثقافة بسيطة قد تلقنوها منهم في تدجين حيوان أو الإيمان بإله أو معرفة شيء عن الكواكب.
فنحن نفهم من معنى الحضارة ناسا يعيشون معا في مقام لا يرحلون عنه، لهم صناعة أو زراعة يرتزقون منها، ولهم نظام اجتماعي ونظام حكومي، ولهم شيء من ثقافة الدين أو العلم قلت أو كثرت.
والآن نتساءل: كيف نشأت الحضارة؟
ونقول إنها نشأت بعد أن سبقها دهر طويل من حال البداوة، حين كان الإنسان يعيش باقتيات الجذور والأثمار البرية وبعض الحشرات وصغار الحيوان، على نحو ما تفعل القردة العليا الآن، وكان الذكر يستأثر بأنثى ويمنع سائر الذكور من الاقتراب منهن، ثم أخذ الإنسان في الاجتماع لأجل الصيد، فساعده ذلك على: (1)
ناپیژندل شوی مخ