أن له لغة.
هذه هي العوامل الثلاثة التي ساعدت على كبر دماغه دون سائر الحيوان، فهو يشترك مع جميع الحيوانات، بل جميع النبات، في أنه قاسي ضروبا من تنازع البقاء أهلكت منه كل ضعيف أو أبله، كما أنه كابد مشاق العصر الجليدي الأخير، وهذه الميزات قد كتبت له التفوق على سائر الأحياء. (تطور المخ من السمكة إلى الإنسان: مخ سمكة، ثم مخ زاحفة، مخ طائر، مخ حيوان ثديي، مخ أورانج أوتان، وأخيرا مخ إنسان)
وربما لا يوجد في قصة التطور شيء - باستثناء العين - أعجب من اليد؛ فإننا للآن لا نعرف كيف تطورت؛ إذ لسنا نجد في الحيوانات الدنيا يدا ناقصة تأخذ في التدرج للكمال حتى تصل للإنسان، كما أننا لا نجد يدا ذات ثلاث أصابع تترقى إلى أربع ثم إلى خمس، وهلم جرا. (زعنفة سمكة وترسيم تطورها إلى اليد)
لا، إنما اليد في جميع حيوان اليابسة الفقاري تحوي خمس أصابع الآن، أو كانت تحتوي على ذلك العدد قديما، كما هو الشأن - مثلا - في حافر الفرس أو ظلف الثور أو جناح الطائر أو زعنفة الدلفين.
ومما يدل على قدم اليد، وأنها ليست حديثة التطور، أنها أقوى أعضاء الطفل الرضيع الذي يبلغ أسبوعين أو ثلاثة من العمر؛ فإن الطفل في هذه السن يمكنه أن يحمل جسمه في الهواء بأن يتعلق بعصا بيديه. (صورة فوتوغرافية تمثل قوة اليدين عند المولود) (حافر الفرس وكيف تطور من الأصابع الخمس إلى أن صار أصبعا واحدة كما تدل على ذلك متحجرات الفرس)
والأرجح أن الحيوان عندما خرج من الماء إلى اليابسة استعمل زعانفه للتسلق كما يفعل بعض السمك الآن على شطي النيل، فلما صارت الزعنفة يدا بقيت كذلك إلى أن وصل الإنسان إلى مرتبة الإنسانية، أما في سائر الحيوان فقد حدث التخصص، فصارت الأصابع حافرا أو ظلفا أو مخلبا أو جناحا، واندغمت في الجسم ثانيا كما في الثعبان.
ومن ذلك نفهم أن المبالغة في التخصص تؤذي الحيوان وتمنعه من التقدم؛ لأنها تؤدي إلى الجمود، والتطور يحتاج إلى اللدونة والمرونة بحيث يستطيع العضو أن يؤدي جملة وظائف في وقت واحد، ومن هنا نرى الشبه كثيرا بين يد الضفدع ويد الإنسان على بعد ما بينهما، ونرى الاختلاف كبيرا بين الجمل ويد الإنسان على قرب ما بينهما.
فيدنا أقل أيدي الحيوانات تخصصا، ومن هنا ميزتها؛ فإننا نؤدي بها جملة وظائف، ويدنا تختلف عن يد القرد من حيث إن لنا إبهاما تمسك الأشياء، أما إبهام القردة فلا فائدة منها لهذا الغرض. وأقرب الحيوانات إلينا من هذا الاعتبار هو الليمور الذي سبق القردة في الظهور، ولكنه بالطبع دونها في حجم الدماغ.
ولليد تأثير في كبر الدماغ؛ لأن أهم أعمال اليد هو تناول الأشياء ومطاوعة الدماغ على تكييف المادة كما يقتضيه خياله، وهي أيضا آلة الدفاع للإنسان، فمن هذه الاعتبارات تجد اليد الخفية اللبقة تساعد الدماغ القوي على البقاء، وأنه لولا اليد لما كان للإنسان حضارة أو ثقافة أو أي نوع من أنواع الرقي، فهناك تفاعل بين اليد والدماغ؛ فالدماغ الكبير ذو العقل الحاد يخترع الآلة الحسنة للدفاع أو الهجوم، واليد اللبقة تساعده على تجسيم خياله؛ فكلاهما يعمل لبقاء الآخر ويزيده كفاية. (يد الليمور وفي السبابة مخلب)
ومن عوامل تكبير الدماغ في الإنسان تحول العينين من صدغيه إلى وجهه؛ فإن العينين في جميع الحيوانات الفقارية تقعان في الصدغين كما هو ظاهر في السمك والطيور والبقر، فإذا أراد الديك أن ينظر إلينا أمال رأسه كي ينظر بعين واحدة، فيتراءى لنا كأنه يصعر خده، وإذا ركبنا فرسا وأراد أن ينظر الطريق أمامه ثنى عنقه قليلا كي ينظر بعين واحدة.
ناپیژندل شوی مخ