ولكن أعظم ما يدعو إلى التفكير أن عنق الإنسان الذي لا يزيد على ستة أو سبعة سنتيمترات يحتوي سبع فقرات، وكذلك الشأن في عنق الجمل الذي قد يزيد على متر أو متر ونصف!
بل هذا هو الشأن في عنق الزرافة، وعنق الفأر، وعنق الجاموسة، وعنق القط: سبع فقرات في جميع الحيوانات اللبونات، وهذا برهان على الاشتراك في الأصل؛ فقد نشأنا جميعا من حيوان يحتوي عنقه سبع فقرات، ثم اختلفت بيئاتنا وأحجامنا، ولكن إيجاد فقرة جديدة من العظم ليس من اليسير، بل هو قريب من المحال! وإذن، صار السبيل إلى إطالة العنق زيادة النمو في بعض عضلاتنا فقط، وإبقاء الفقرات كما هي في عددها الأصلي.
ونحن البشر نمشي على قدمين منتصبتين، ولكن قليلا من التأمل لحركاتنا ونحن نمشي، يدل على أننا نستعمل يدينا مع رجلينا وقت المشي، كما لو كنا لا نزال نمشي على أربع، وهذا يتضح لنا عندما نقارن مشية الفرس بمشية الإنسان: اليد اليمنى تتقدم مع الساق اليسرى واليد اليسرى تسير مع الساق اليمنى.
وحين نشتري سمكة نجد خياشيمها على جانبي عنقها، وقل منا من يذكر أننا نحن أيضا نقضي فترة من حياتنا الجنينية ونحن نمتاز بمثل هذه الخياشيم، كما لو كنا نذكر حياتنا السمكية السابقة، وحياة الجنين البشرى تمثل في تكشفاتها تطور الأحياء السابقة.
وكلنا يعرف أن الميزة العظمى للإنسان على الحيوان هي هذا الدماغ الضخم الذي استطعنا به التفكير والاختراع، وهو في الواقع أعظم ما وصلت إليه الطبيعة في تجاربها العديدة لإيجاد الأحياء المختلفة، وعندما نقارن دماغ الإنسان بدماغ السمكة يتضح لنا السبب الأكبر لتسلطنا على المملكة الحيوانية جميعها؛ فإن السمكة التي تساوي الإنسان في الوزن لا تحوي من الدماغ سوى جزء من ألف بالمقارنة إلى دماغ الإنسان.
وعندما يولد الجنين البشري يبقى مدة من الزمن وجمجمته لا تلتحم من أعلاها الأمامي؛ إذ هي جلدة طرية، وهذه الجلدة الطرية تعود بنا إلى مئات الملايين من السنين الماضية، حين كنا من الزواحف الصغيرة الدنيئة، نزحف على الأرض، ونخشى الهجوم علينا من أعلى، فكانت لنا عين ثالثة مكان هذه الجلدة ننظر بها إلى أعلى ونحذر الأعداء، وقد استحالت هذه العين القديمة إلى الغدة الصنوبرية.
ولا تزال في أستراليا زاحفة تشبه العظاية (السحلية) الكبيرة، تمتاز بهذه العين الثالثة، وتدعى تواتارا.
التطور في الإنسان
من السهل أن يرى الإنسان في تقاطيع وجهه وتقاسيم أعضائه، وفي قده ومزاجه، شيئا كثيرا مما ورثه عن أبويه، ويرى أيضا في شكل أعضائه صلة الاشتراك بينه وبين جدوده الأقربين، وإن كانت هذه الصلة أضعف مما هي بينه وبين أبويه.
ونظرية التطور تقول بأن الأحياء كلها تشترك في أصل واحد، هي الخلية الأولى التي ما زلنا نرى مثالا لها في الآميبة، فإذا صحت هذه النظرية وجب علينا أن نرى آثار الأحياء القديمة التي مر فيها تطور الإنسان من الخلية الأولى حتى صار بحالته الراهنة.
ناپیژندل شوی مخ