د معرفت نظریه او د انسان طبیعي حالت
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
ژانرونه
فإذا صح هذا التفسير للتفرقة بين الكيفيات الأولى والثانية على أنها تفرقة بين الصفات التي تدخل في «مفهوم» الجسم وتلك التي لا تدخل، فإن هذه التفرقة لا تؤثر على الإطلاق في القول بذاتية الكيفيات أو عدم ذاتيتها، ولو فرضنا أن الجسم - بكل صفاته - راجع إلى أفكار ذاتية، فإن هذا لا يمنع من استمرار التفرقة بين نوعين من الصفات: أحدهما لا يمكن تصور الجسم بدونه، والآخر قد يوجد في الجسم أو لا يوجد، إنك تستطيع أن تسلم - مثلا - بأن كل ما يتعلق بالجسم صادر عن الذات، وتؤكد في الوقت ذاته أن هناك صفات لا تستطيع الذات أن تبعث فكرة الجسم دون بعثها هي الأخرى، وصفات أخرى يمكن بعث فكرة الجسم بدونها، فالكيفيات الأولى في هذا التفسير جزء من «تصور» الجسم ذاته، سواء كان مصدر هذا الجسم ذاتيا أو موضوعيا.
ثالثا:
وربما كان مما يؤيد هذا التفسير، تردد لوك في كتاباته بين التفسيرين: المثالي والمادي، فهو في بعض المواضع يؤكد أن «معظم أفكار الإحساس توجد في الذهن دون أن تشابه شيئا يوجد خارجنا، مثلما أن الأسماء التي تدل على هذه الأفكار لا تشابهها، وإن كانت تثير فينا هذه الأفكار عندما نسمعها.»
11
ولكنه من جهة أخرى يتحدث حديثا شبه مادي عن حركة من أعصابنا أو أرواحنا الحيوانية إلى المخ، وعن حركة أجسام من الأشياء الخارجية إلى العين تبعث فينا صورها، أما الكيفيات الثانية، فينتقل تأثيرها إلى حواسنا عن طريق «دقائق لا تدرك».
12
ويؤكد لوك في نفس الموضع اعتماد هذه الكيفيات الثانية على الأولى، أعني اختلاف الألوان والطعوم ... إلخ حسب اختلافات الحركة والشكل والعدد في الأجسام، وهكذا تظهر التفرقة بين نوعي الكيفيات عنده أقل شدة مما تصور به عادة، وعلى أية حال فإن تأرجح لوك وعدم جزمه بشيء في مسألة أصل الكيفيات، يدل على أن مشكلة الأصل هذه ليست هي التي تعينه، وهذا مما يرجح التفسير الذي نقترحه هنا، وهو أن تفرقته بين الكيفيات الأولى والثانية قد لا تكون إلا تفرقة لغوية تتعلق بعلاقة صفات الجسم المختلفة بتعريفه، وهي تفرقة تظل صحيحة مهما كان الأصل الذي ينسب إلى هذه الكيفيات.
ومع هذا كله فإن التفسير الذي انتشر لرأي لوك في الكيفيات الأولى هو أنه كان يعدها منتمية إلى الأجسام ذاتها، بمعنى أنها خارجية، وهكذا اتجهت محاولات الفلاسفة من بعده إلى إزالة ذلك الحاجز الذي وضعه لوك بين نوعي الكيفيات، بل إزالة الحاجز بين هذين النوعين من جهة وبين النوع الثالث الذي تمثله اللذة والألم، والذي لا يشك أحد في ذاتيته.
13
ويصل هذا الاتجاه إلى قمته في فلسفة باركلي، ففي هذه الفلسفة تستخلص كل النتائج المثالية لفكرة ذاتية الكيفيات، وفي وسعنا أن نتخذ من هذه الفلسفة أنموذجا للفلسفة المضادة للموقف الطبيعي، فتفكير باركلي يمثل أبعد المراحل التي بلغتها الفلسفة في سيرها بعيدا عن الموقف الطبيعي، وهو في هذا يمثل بصورة صادقة موقف الفيلسوف «المحترف»، الذي يدور تفكيره في عالم لا تربطه بعالم الذهن المعتاد إلا صلة عدم الاعتراف المتبادل.
ناپیژندل شوی مخ