فكتاب الله بمن الله بين يلوح، مبين باهر مشروح، عند من وهبه الله علمه، وفهمه آياته وحكمه، لما وصل به من نوره، وفصل فيه من أموره، مقدما ومؤخرا، وأمرا ومزدجرا، وناسخا ومنسوخا مبدلا، نعمة ورحمة وفضلا، تصريفا فيه كما قال سبحانه للآيات والأمثال، وزيادة به في المن والنعمة والإفضال: { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل وكان الانسان أكثر شيء جدلا } [الكهف: 54]، وقال سبحانه ضاربا ومصرفا وممثلا: { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون، قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } [الزمر: 27 - 28]. وقال سبحانه: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } [البقرة: 106]، فتبديل الآيات ونسخها وإنشاؤها فهو تفهيم من الله للسامعين وتذكير، عن غير نقض ولا تبديل، سخط بحكم من أحكامه في التنزيل، لأنه لا معقب - كما قال - لحكمه وفصله، ولا مبدل لشيء من كلماته وقوله.
وفي ذلك ما يقول جل جلاله، عن أن يتناقض في شيء من حكمه [وقوله]، { والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب } [الرعد: 41]، ويقول تبارك وتعالى في أهل الكتاب:{ والذين أوتوا الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين، وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم } [الأنعام: 114 - 115]. وبما بدل من الآيات في القول لا في المعنى ولا في حكم الله المحكم [الحكيم]، وفيما نسخ بالقول المبدل، في كتاب الله المنزل، تثبيتا من الله له وتصريفا، ورحمة منه وتعريفا، ما هلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح، إذ لم يبن له ما قلنا به من ذلك ولم يصح، أيام كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وآله، فاختلف عنده بعضه في القول والمعنى فيما اختلف منه واحد لا يختلف، وإن كان القول به قد يتسع وينصرف، فلما عسف فيه النظر، ارتد عن الاسلام وكفر.
مخ ۳۷