Boyle
القانون الذي يعرف باسمه، والخاص بالعلاقة بين ضغط الغاز وحجمه. وهكذا خلقت الملاحظة والتجربة بالفعل عالما جديدا كاملا من الوقائع والقوانين العلمية.
هذه المجموعة المختارة الموجزة من الأحداث التي أدت إلى تطور العلم، توضح السبب في ظهور مذاهب تجريبية في العصر الحديث تشبه في تأثيرها المذاهب العقلية الكبرى عند اليونانيين؛ فالمذهب العقلي اليوناني يعكس نجاح الأبحاث الرياضية في حضارة اليونانيين، والتجريبية الإنجليزية تعبر عن انتصار المنهج التجريبي في العلم الحديث، ذلك المنهج الذي يوجه أسئلة إلى الطبيعة، ويترك للطبيعة مهمة الإجابة عنها ب «نعم» أو «لا».
غير أن هناك تطورا آخر يستحق إيضاحا، وهو إحياء الفلسفة العقلية في بلدان القارة الأوروبية خلال نفس الفترة التي كان الفلاسفة الإنجليز يضعون فيها المذاهب التجريبية الجديدة؛ ففي هذه الفترة شيد ديكارت وليبنتس وكانت، على الرغم من اهتمامهم البالغ بالعلم وإسهامهم في بعض الميادين العلمية، مذاهب عقلية تفوق في منهجها ودقتها مذاهب الأقدمين.
ولكي نفهم هذا التطور المضاد، ينبغي أن نذكر أن المنهج التجريبي مهما بدا ثوريا عند ظهوره على مسرح العلم، إلا واحدا من أداتين رئيسيتين للعلم الحديث. أما الأداة الأخرى فهي استخدام المناهج الرياضية لإثبات التفسير العلمي؛ وبهذا المعنى يمكن القول إن العصر الحديث يواصل مهمة العلم اليوناني، ولم يكن من قبيل المصادفة أن نظام كوبرنيكوس، الذي نعده رمزا للعصر العلمي الحديث، كان قد استبق في نظام أرسطرخس القائل بمركزية الشمس. ففي تطور العلم الحديث تأكدت قدرة المنهج الرياضي على تحليل العالم الفيزيائي، وهي القدرة التي كان اليونانيون قد اكتشفوها في أبحاثهم الفلكية، غير أن الجمع بين هذا المنهج الرياضي وبين استخدام التجارب واتخاذ الاثنين معا معايير للصواب، كان ينطوي على أكثر من تأكيد لهذه القدرة؛ إذ كان يعني مضاعفتها بحيث تؤدي إلى نجاح أضخم بكثير من كل ما تحقق من قبل. فمصدر قوة العلم الحديث هو اختراع المنهج الفرضي الاستنباطي
hypothetico-deductive method ، وهو المنهج الذي يضع تفسيرا في صورة فرض رياضي يمكن استنباط الوقائع الملاحظة منه. فلندرس هذا المنهج، الذي يسمى أيضا ب «الاستقراء التفسيري
explanatory induction » من خلال مثل مشهور.
لم يكن كشف كوبرنيكوس بقادر على أن يحظى بموافقة جميع الأوساط العلمية لو لم تكن أبحاث يوهان كبلر
J. Kepler (1571-1630م) قد أدخلت عليه تحسينات، ولو لم يندمج آخر الأمر في تفسير رياضي بفضل جهود إسحاق نيوتن (1643-1727م)؛ فقد كان كبلر عالما رياضيا ذا عقلية صوفية، أخذ على عاتقه خطة رياضية طموحا تهدف إلى إثبات الانسجام المزعوم للكون، غير أنه كان من الذكاء بحيث تخلى عن فرضه الأصلي الخاص بحركات الكواكب، عندما أدرك أن الملاحظات تدل على أن قوانين حركة الأفلاك مختلفة كل الاختلاف؛ ونتيجة لذلك، وضع ثلاثة قوانين مشهورة لحركة الكواكب، يتضح منها أن مدارات الكواكب ليست دوائر، وإنما مدارات بيضاوية. وبعد كشوف كبلر ظهر كشف أعظم منها، بل هو أعظم كشوف هذه الفترة كلها، وهو قانون تجاذب الكتل عند نيوتن. هذا القانون، الذي يشيع إطلاق اسم قانون الجاذبية عليه، يتخذ صورة معادلة رياضية بسيطة إلى حد ما، وهو من الوجهة المنطقية يؤلف فرضا لا يمكن تحقيقه مباشرة، وإنما يبرهن عليه بطريقة غير مباشرة، ما دام من الممكن، كما أوضح نيوتن، أن تستخلص منه جميع نتائج الملاحظات التي تلخصها قوانين كبلر، بل إن الأمر لا يقتصر على نتائج كبلر، وإنما يمكن بالمثل استخلاص قانون سقوط الأجسام عند جاليليو، وكثير غيره من وقائع الملاحظة، كظاهرة المد والجزر في ارتباطها بمواقع القمر.
ولقد أدرك نيوتن ذاته بوضوح أن نجاح قانونه يتوقف على التأييد المستمد من تحقيق نتائجه، وكان عليه، من أجل استخلاص هذه النتائج، أن يبتدع منهجا رياضيا جديدا، هو حساب التفاضل، غير أنه لم يكتف بهذا النصر الاستنباطي، مع كل روعته، وإنما أراد الوصول إلى دليل كمي مبني على الملاحظة، واختبر نتائجه عن طريق القيام بملاحظات للقمر الذي كان دورانه الشهري يعد مثلا لقانون الجاذبية عنده، غير أن أمله خاب عندما وجد أن نتائج الملاحظة لا تتفق مع حساباته، فما كان من نيوتن إلا أن أودع المخطوط الذي دون فيه نظريته في أحد أدراجه، بدلا من أن يجعل للنظرية، مهما كان تناسقها، الأفضلية على الوقائع. وبعد حوالي عشرين عاما، قامت بعثة فرنسية بقياسات جديدة لمحيط الكرة الأرضية، أدرك منها نيوتن أن الأرقام التي كان قد بنى عليها اختباره لم تكن صحيحة، وأن الأرقام الأدق تتفق مع حسابه النظري. ولم ينشر نيوتن قانونه إلا بعد هذا الاختبار.
ناپیژندل شوی مخ