ناپلیان بوناپارت په مصر کې
نابوليون بونابارت في مصر
ژانرونه
وقد ذكر الجبرتي في وفيات سنة 1225، بعد الحوادث التي نحن بصددها باثنتي عشرة سنة ترجمة المعلم جرجس الجوهري وأطراه ... قال: «مات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين، وهو أخ المعلم إبراهيم الجوهري، ولما مات أخوه في زمن رياسة الأمراء المماليك تعين مكانة في الرياسة على المباشرين والكتبة، وبيده حل الأمور وربطها في جميع الأقاليم المصرية، نافذ الكلمة، وافر الحرمة، وتقدم في أيام الفرنسيين فكان رئيس الرؤساء، وكذلك كان مع العثمانيين لما كان يسديه إليهم من الهدايا والرغائب، ورأينه يجلس بجانب محمد خسرو باشا «سيأتي ذكره في تاريخ محمد علي» وبجانب شريف أفندي الدفتردار، ويشرب بحضرتهم الدخان، وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الأعيان عند قدوم شهر رمضان من الشموع العسلية والسكر والأرز والكساوي والبن، ويعطي ويهب، وأنشأ دارا كبيرة عند قنطرة الدكة.»
وبهذه المناسبة لا نجد مناصا - خصوصا وقد ذكرنا تقرب نابوليون من المسلمين وعلمائهم وتودده لهم ولدينهم ومعتقداتهم - أن نقول كلمة في هذا المكان عن سلوك الفرنساويين مع النصارى عموما، والأقباط خصوصا في ذلك العهد، ولقد كنت أظن أن حنا بك شاروييم يخصص في كتابه «الكافي» فصلا لهذا الموضوع فلم أجده أعاره أدنى نظرة، ولعل له في ذلك حكمة.
ليس لدينا تعداد موثوق به عن سكان القطر في زمن الفرنسيس، ولكن يؤخذ من المصادر الفرنسية أن عدد الأقباط كان في ذلك الحين من تسعين إلى مائة ألف على رواية «لاكروا»؛ أي: نحو ثمن عددهم اليوم، فإذا لاحظنا أن عدد المسلمين، منذ ذلك الحين قد تضاعف خمس مرات «أي: من مليونين ونصف مليون» تقريبا إلى ثلاثة عشر مليونا في الوقت الحاضر فيكون الأقباط قد تضاعفوا ثمانية مرات، وهي نتيجة غريبة مع وجود تعدد الزوجات عند المسلمين، ومع التساوي في حالة الرخاء والطمأنينة في القرن التاسع عشر، وربما كان عددهم أكثر مما ورد في رواية «لاكروا».
وليس بضائر الأقباط إذ ذاك أن يلجئوا إلى الفاتحين ويتوددوا إليهم، ويفرحوا بقدومهم للخلاص من مظالم المماليك وسوء معاملتهم وبقائهم محتقرين في بلد، يعتقدون أنها في الأصل بلدهم، وإن كان الأقباط على ما اعتقد قد كانوا أحسن حالا من مواطنيهم المسلمين؛ لأن الأقباط كانوا آلات المماليك في تحصيل الضرائب، وكانوا كتاب أيديهم والمباشرين لأعمالهم الحسابية، وأمورهم الداخلية، ومن ذا الذي كان من المصريين المسلمين في زمن المماليك «في يده حل الأمور وربطها في جميع الأقاليم المصرية، نافذ الكلمة موفور الحرية»، مثل المعلم جرجس الجوهري، كما قال عنه الجبرتي؟
كان ظلم المماليك في الحقيقة واقعا في الأكثر على الفلاحين المسلمين، ولم يكن الأقباط في ذلك الوقت ممن يشتغلون بحراثة الأرض وزرعها، كما أنه قد كان في دهاء الأقباط وحسن حياتهم وصفاتهم الكثيرة التي أوجدها أثر الاستبداد في نفوسهم، خير واسطة للتخلص من المظالم والتقرب من الحكام، بما لا يتيسر في كثير من الأحوال لمواطنيهم المسلمين، وزد على هذا أنهم لكونهم فئة قليلة مستضعفة، كانوا أكثر اتحادا، وأحسن معاونة لبعضهم البعض من المسلمين، بحيث إذا لحق واحد منهم ظلم وجدت كبراءهم في ذلك الزمن يذهبون إلى الحكام ويتوسلون إليهم في منع الظلم عن ابن طائفتهم.
ومع هذا نقول لا غضاضة عليهم إذا فرحوا بقدوم الفاتح الأجنبي تخلصا من احتمال الظلم على كل حال، ولم يكن عند الأقباط، ولا عند المسلمين في ذلك الزمن، عاطفة وطنية؛ إذ لم يكن الوطن لهؤلاء ولا لهؤلاء! وأما إذا كان المسلمون بعكس ذلك من حيث عدم الرضى عن الفاتح الأجنبي، وميلهم للأتراك والمماليك، فذلك لأسباب كثيرة أهمها الرابطة الدينية بينهم وبين الخلافة الإسلامية، التي لم يكونوا يعتبرونها دولة أجنبية عنهم، وبسبب هذا الشعور تمكن الأتراك من المصريين في مصر، وكذلك من العرب في آسيا، وأبقوهم تحت سلطانهم إلى عهد قريب جدا.
والآن نبحث في: هل كان من وراء تودد الأقباط للفرنساويين فائدة للأقباط! وترقية أحوالهم؟ الجواب على هذا صريح واضح، وهو أنه إن لحق المسلمين ظلم واحد من الغاصبين، فإنه قد لحق الأقباط ضعف ذلك، والقضية في هذا الشأن بديهية لا تخفى إلا على عمى البصيرة الذين تغرهم الزخارف، والذين تخدعهم أقوال الفاتحين الأجانب وتوقعهم في حبائل مكرهم؛ إذ لا نزاع مطلقا في أن الفاتح الأجنبي إنما يعمل جهده لإرضاء الأغلبية بالتودد لها والتقرب منها، ولا يهمه أن يستضعف جانب الأقلية أو تهضم حقوقها، وتبقى دائما هذه خطته مهما تظاهر بعكس ذلك أمام الأقلية بقصد غرس أسباب النفرة ليسود الحكم من جراء التفرقة.
ولو كان نابوليون يثق بأنه إذا أباد الأقباط على بكرة أبيهم ينال ثقة المسلمين ويحل في قلوبهم محل العثمانيين، لما تأخر عن ذلك طرفة عين!! ثم هل ادعى نابوليون المسيحية الأرثوذكسية كما ادعى الإسلام وتظاهر بمدح الدين الإسلامي؟ وقد كان أقرب للتصديق في الأولى من الثانية!
خذ المثال الآتي: قال الجبرتي في حوادث شهر رمضان من تلك السنة: «نبهوا الفرنساوية بالمناداة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عاداتهم مع المسلمين أولا، ولا يتجاهرون بالأكل والشرب في الأسواق، ولا يشربون الدخان ولا شيئا من ذلك بمرأى منهم ... كل ذلك لاستجلاب خواطر الرعية حتى إن بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان، فانتهره فرد عليه ردا شنيعا، فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة، فرفعهما إلى قائمام، فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه عن عادتهم القديمة أنه إذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون في الأسواق ولا بمرأى من المسلمين أبدا، فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله»!
وذكر الجبرتي في حوادث يوم 8 جمادى الآخرة قال «وفيه قتلوا «الفرنساوية» أربعة أنفار من القبط قيل إنهم سكروا في الخمارة وعربدوا فاغتاظ لذلك القبطة.» وقس على هذا كثيرا.
ناپیژندل شوی مخ