الثالث: القول بالاختيار يؤدي إلى خلو الزمان عن الإمام، وذلك غير جائز.
بيان الأول: أن الاختيار ليس لكل أحد بل لأهل الحل والعقد من الأمة الذين هم أقل الأمة عددا، وهؤلاء بالاتفاق غير معصومين، فبتقدير أن يختلفوا في إمامين مثلا فتعين كل فرقة إماما باختيارهم تتعادل الفرقتان، فأما أن يعمل باختيارهما، وهو باطل بالاتفاق، وإما أن يعمل بأحدهما، وهو تحكم محض، لأنه ترجيح فيه على الآخر. وإما أن ينتفي الاختياران فيكون ذلك إخلاء للزمان من الإمام.
وأما بيان الثاني فبالاتفاق، ولمثل هذا الدليل يبطل القول بالدعوة.
لا يقال على الأول: أنه لا امتناع في أن ينص الله تعالى على قوم بأعيانهم ثم يفوض اختيار العقل.
وعلى الثاني: أنا لا نسلم أن الإمام يجب أن يكون أفضل، وإن سلمناه لكن أفضل حقيقة. أو في الظاهر الأول ممنوع، والثاني مسلم، وكونه أفضل الخلق في الظاهر لا يتوقف على التنصيص بل يكفي فيه الاختيار كما في تولية الأمراء والقضاة، وإنما قلنا أنه يكفي أفضليته في الظاهر لما أنا قد اكتفينا بالظنون في الشهود وعدالة إمام الصلاة وأمر السيد عبده والزوج زوجته، فيجوز أن يكون هنا كذلك.
سلمناه لكن يجوز أن ينص الله تعالى على قوم كثيرين يكون كل واحد منهم أفضل أهل زمانه في الباطن، ثم إنه يفوض الاختيار في إمامتهم إلينا.
لأنا نجيب عن الأول: أنا بينا أن العصمة تستلزم الأفضلية، والأفضلية تستلزم التعيين، وحينئذ لا حاجة إلى تفويض الاختيار إلى الأمة، ويظهر اعتباره بتقدير اختيارهم غير الأفضل، وقد سبق بيان ذلك.
مخ ۷۱