المعدم أو الحابس للكمال عن مستحقه ولا خبر عن عدم مطلق إلا عن لفظه فليس هو بشيء حاصل. ولو كان له حصول ما لكان الشر العام فكل شيء وجوده على كمال الأقصى وليس فيه ما بالقوة فلا يلحقه شر وإنما يلحق الشر ما في طباعه ما بالقوة وذلك لأجل المادة والشر يلحق المادة إما من أول يعرض لها أو لأمر طارئ بعده. فأما الأمر الذي في نفسه قد عرض للمادة أولا فأن يكون قد عرض لمادة ما في أول وجودها بعض أسباب الشر الخارجة فتمكن منها هية من الهيئات فتلك الهيئة تمانع استعدادها الخاص للكمال الذي منيت بشر يوزايه. مثل المادة التي تتكون منها إنسان أو فرس إذا عرض لها من الأسباب الطارئة ما جعلها أردى مزاجا وأعصى جوهرا فلم تقبل التخطيط والتشكيل والتقويم فتشوهت الخلقة. ولم يوجد المحتاج إليه من كمال المزاج والبنية لا أن الفاعل حرم بل لأن المنفعل لم يقبل - وأما الأمر الطارئ من خارج فأحد شيئين إما مانع وحائل ومبعد للمكمل - وإما مضاد واصل ممحق للكمال. مثال الأول وقوع سحب كثيرة وتراكمها وأظلال جبال شاهقة تمنع تأثير الشمس في الثمار على الكمال ومثال الثاني حبس البرد للنبات المصيب لكماله في وقته حتى يفسد الاستعداد الخاص وما يتبعه وجميع سبب الشر إنما يوجد فيما تحت فلك القمر وجملة ما تحت القمر طفيف بالقياس إلى سائر الوجود كما علمت. ثم أن الشر إنما يصيب أشخاصا إلا نوعا من الشر. واعلم أن الشر الذي هو بمعنى العدم إما أن يكون شرا بحسب أمر واجب أو نافع قريب من الواجب - وإما أن لا يكون شرا بحسب ذلك بل شرا بحسب الأمر الذي هو ممكن في الأقل. ولو وجد كان على سبيل ما هو فضل من الكمالات التي بعد الكمالات الثانية ولا مقتضى له من طباع الممكن الذي هو فيه. وهذا القسم غير الذي نحن فيه وهو الذي استثنيناه هذا وليس هو شرا بحسب النوع بل بحسب اعتبار زائد على واجب النوع كالجهل بالفلسفة أو الهندسة أو غير ذلك فإن ذلك ليس شرا من جهة ما تحن ناس بل هو شر بحسب كمال الأصلح في أن يعم وستعرفه. وإنما يكون بالحقيقة شرا إذا اقتضاه شخص إنسان أو شخص نفس وإنما يقتضيه الشخص لا لأنه إنسان أو نفس بل لأنه قد ثبت عنده حسن ذلك واشتاق إليه واستعد لذلك الاستعداد كما سنشرح لك بعد - وأما قبل ذلك فليس مما ينبعث إليه مقتضى طبيعة النوع انبعاثه إلى الكمالات الثانية التي تتلو الكمالات الأول فإذا لم يكن كان عدما في أمر مقتضى في الطباع فالشر في أشخاص الموجودات قليل ومع ذلك فإن وجود ذلك الشر في الأشياء ضرورة تابعة للحاجة إلى
مخ ۲۳۵