189

فصل في أنه واحد من وجود شتى

وأيضا فهو تام الوجود لأن نوعه له فقط فليس من نوعه شيء خارج عنه واحد وجوه الواحد أن يكون تاما فإن الكثير والزائد لا يكونان واحدين فهو واحد من جهة تمامية وجوده وواحد من جهة أن حده له واحد وواحد من جهة أنه لا ينقسم لا بالكم ولا بالمبادئ المقومة له ولا بأجزاء الحد وواحد من جهة أن لكل شيء وجدة تخصه وبها كمال حقيقته الذاتية وأيضا هو واحد من جهة أخرى وتلك الجهة هي أن مرتبته من الوجود وهو وجوب الوجود ليس إلا له. فصل في البرهان على أنه لا يجوز أن يكون اثنان واجبي الوجود أي أن الوجود الذي يوصف به ليس هو لغيره وإن لم يكن من جنسه ونوعه. ولا يجوز أن يكون وجوب الوجود مشتركا فيه ولنبرهن على هذا فنقول إن وجوب الوجود إما أن يكون شيئا لازما لماهية تلك الماهية هي التي لها وجوب الوجود كما نقول للشيء إنه مبدأ فتكون لذلك الشيء ذات وماهية ثم يكون معنى المبدأ لازما لتلك الذات كما أن إمكان الوجود قد يوجد لازما لشيء له في نفسه معنى مثل أنه جسم أو بياض أو لون ثم هو ممكن الوجود وإمكان الوجود يلزمه ولا يكون داخلا في حقيقته وإما أن يكون وجوب الوجود هو نفس واجب الوجود ويكون نفس وجوب الوجود طبيعة كلية ذاتية له فنقول أولا أنه لا يمكن أن يكون وجوب الوجود من المعاني اللازمة لماهية فإن تلك الماهية حينئذ تكون سببا لوجوب الوجود فيكون وجوب الوجود متعلقا بسبب فلا يكون وجوب الوجود موجودا بذاته فإن وجوب الوجود من المعلوم أنه إذا لم يكن داخلا في ماهية شيء بل كان الشيء كإنسان أو شجرة أو سماء أو غير ذلك مما قد علمت أن الوجود ووجوبه ليس داخلا في ماهيته كان لازما له كالخاصية أو العارض العام لا كالجنس والفصل وإذا كان لازما كان تابعا غير متقدم والتابع معلول فكان وجوب الوجود معلولا فلم يكن وجوب وجود بالذات وقد أخذناه بالذات فإن لم يكن وجوب الوجود كاللازم بل كان داخلا في الماهية أو ماهية فإن كان ماهية عاد إلى أن النوعية واحدة وإن كان داخلا في الماهية فتلك الماهية إما أن تكون بعينها لكليهما فيكون نوع وجوب الوجود مشتركا فيه وقد أبطلنا هذا أو يكون لكل ماهية أخرى فإن لم يشتركا في شيء لم يجب أن يكون كل واحد منهما قائما في موضوع وهو معنى الجوهرية المقول عليهما بالسوية وليس لأحدهما أولا وللثاني آخرا فلذلك هو

مخ ۱۸۹