أقول: وكذلك أيضا روي عنه - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالوضوء مما مست النار ومن ألبان الإبل ولكن بنيت قواعد الشريعة على آخر ما عهد عليه - صلى الله عليه وسلم - فقد روي عنه أنه كان آخر عهده ترك الوضوء مما غيرت النار وذكره الشعراني بلفظ وكان آخر الأمرين من رسول - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما غيرت النار، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة وصلى ولم يتوضأ ولم يمس ماء، وروى السيوطي عن البيهقي في السنن الكبرى من طريق ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مما خرج لا مما دخل والصوم مما دخل لا مما خرج، ففي هذا دليل على أن الوضوء من أكل لحوم الإبل وشرب ألبانها ومن أكل ما مست النار، أما منسوخ كما صرح به بعضهم، وأما بمعنى الوضوء اللغوي الذي هو النظافة كما صرح به ذلك البعض أيضا ومما يؤيد هذا أن ابن عباس رضي الله تعال عنه قال : لأبي هريرة مرة أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالا لأن النار مسته فجمع أبو هريرة حصى فقال أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مما مست النار ولو من أثوار قط فلولا أن القاعدة الشرعية تمهدت آخر وقته - صلى الله عليه وسلم - أن لا وضوء من المحسوسات إلا من نجس لما تعجب بحر العلم من راوية أبي هريرة ولأنكر عليه جميع من بلغه .
مخ ۴۰